منذ سنوات تخلص الترك من العرب وقد كانوا خاضعين لسلطانهم الأدبي فرأوا من الغضاضة على استقلالهم أن يظل لسانهم خاضعا للساننا، وأدبهم تابعا لأدبنا، فأخذوا يحررون التركية من الألفاظ العربية (وهي معظمها) ويستبدلون بها ألفاظا تركية خالصة أو إفرنجية مشوبة ثم ترجموا القرآن وتركوا الأذان. وأعجموا الصلاة، وفرضوا التركية فرضا على الأجانب في المدارس والمصارف والأسواق. ومنذ سنوات تخلص العراقيون من الترك (وقد كانوا خاضعين لسلطانهم السياسي) فكان أول ما عملوه أن طهروا العربية من شوائب التركية في الدواوين والقوانين والمدارس والجيش. واستبدلوا بهذه الألفاظ الدخيلة على أصالتها وكثرتها ألفاظا عربية صريحة.
ومنذ قرن ونيف تخلصت مصر من الترك ولكنك ما تزال تسمع في البيوت تيزا وأبلة وأبيه وإنشته، وفي المدارس قلفة وطابور ويمكخانة وبحيث جزيرة، وفي الدواوين ألفاظا وأساليب ليس إلى حصرها من سبيل وأما في الجيش فأسماء رتبة وفرقه وعتاده ومصطلحاته وإيعازا ته كلها تركية فبماذا نعلل هذا؟ تعليل ذلك فيما أظن أن الأمة المصرية من أشد الأمم الشرقية إحتفاظا بالقديم، وتسليما بالواقع، ورضا بالحاضر مع ما قد يكون في ذلك كله من شر فليس من طبعها ذلك القلق السامي الذي يدفع النفوس إلى التجدد ويحفز الأمم إلى التقدم ويربأ بالإنسان أن يقنع من حياته بالنصيب الأخس، وتقدم الأمم على هذه الحال في سبيل الكمال عسيرا أو بطيء.
رفقا بالقوارير يا أبا السامي!
نشرنا في عددنا الأخير رأيا للآنسة عفيفة في (أوراق الورد) للأستاذ الرافعي، ورأت الرسالة مؤاتاة الفرصة ليمتع الأستاذ قراءها بفصل من فصوله الرائعة فتركت له الكلمة وتفضل الأستاذ فكتب. ولكنه حين وضع يده على الدواة ليتناول القلم الذي كتب به (أوراق الورد) أخطأ فتناول القلم الذي كتب به (على السفود). لحظنا هذا السهو حين قرأنا هذه الكلمة فطويناها معتقدين إن الكاتب الكبير سيتبعها كلمة أخرى تكون منها مكان (بدل الغلط)، تشاركها في الإعراب وتنفرد دونها بالصواب.