[قلمي!!]
للأستاذ (د. خ)
إلىّ إلىّ يا قلمي فاكتب صلاتي وخُطَّ نُسُكي!
إن غِناءَك القديم يُفعم قلبي بذكريات الجمال والحب، فاصدحْ، كعهدك، ورقرق أناشيدك،
وأسكبْ في روحيَ الظامئةِ أغاريدك!
طالما غَنّيتَ يا قلمي الحبيب فأصْغَتِ السماء، وتهلل البدر، ورقصت الملائكة، واهتز
الورد. . . فماذا أصابك؟
هات يا قلمي كأسَ بيانك نشرْبها على ذِكَرِ الماضي الجميل الفِضّيّ الذي غدا أحلاماً
كالحمائم البيض، ترد ظِماءً وتصدُر ظماءً، فأين ماؤك؟
هل حقٌّ أن جنَتَّك أوشكت أن تُصَوّح، وأن يَنبوعك كاد أن يغيض؟ إذن فأين أنتَ في هذه
الدنيا الصّاخبة التي تُدَوّي في المشرقين، وتضطرب في المغربيْن، وأنت مُنْطَوٍ على نفسك، عاكفٌ على أحزانك، سادرٌ في آلامك، يُشجيك أن أعز الإخوان عليك قد هجرك، وأن مرضاً ألم بصاحبك فقطعه عن الدنيا قد كدّر عليك صفو الحياة، وأن المروءة والوفاء قد ذهبا أدراج الرياح، فلم يكتب إليك حبيب، ولم يحن إلى لقائك إلف، وألم يُسْلِكَ في وحدتك الموحِشةِ مواس!!
لله يا قلمي ما أبدعت لأحبّائك من جناتٍ، وما فجّرتَ في جنّاتك من عيون، وما جعلت
فيهن من حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون!
ألم تصور لهم شباباً لا يعرف الهرم، وجمالاً لا تمتد إليه يد الدبول؟
ألم تلهب أفئِدتهم بالحرارة التي أشَعْتَها في كلماتك، والأحرف العاشقة التي نفثتَها من
شبَاتك؟
ألم تُجوِّد لهم ألحاناً أرْويت بها نفوسهم الصادية، وأسكنتهم منها في قصور عالية، من نور
وبَلُّور؟
ألم تُبدع لهم طوبى من وَرْد وريحان، وبهار وسُوسَان، فمنحتهم دمك، وخعلت على
شيخوختهم شبابك، وأعْشَيتَ بطول السهر من أَجلهم عينيك، وجلبْتَ على صاحبك العناء ليستريحوا، والشقاء لينعموا، والمرض ليصحوا. . . وأنت مع ذاك متنفّسي الذي لا أعرف