للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أتكون أحوال التعليم كهذه الأحوال في البلاد الإنجليزية والأمريكية؟

وكيف والتعليم في تلك البلاد ترجع أكثر شؤونه إلى هيئات مستقلة عن الحكومة كل الاستقلال أو بعض الاستقلال؟

واعتمادنا على الحكومة ظهر بصورة بشعة يوم خيف على (بنك مصر) من زعازع الحرب، فالحكومة هي التي تقدمت لحماية البنك، وبذلك ضاعت فرصة على أغنياء الأمة، وأي فرصة؟

لقد كان في مقدور الأغنياء أن يتعاونوا على رعاية تلك المؤسسة القومية، وهي رعاية مضمونة الربح، وكان من المؤكد أن تدر عليهم الخيرات في أعوم الحرب، ولكنهم تهاونوا تهاون العاجزين عن إدراك ما ينتظر من المنافع، وتركوا الحكومة تدبر الأمر كما تريد

وآفة الاعتماد على الحكومة زلزلت الثقة بالكفاية الفردي، وهل يتهالك المتعلمون على وظائف الحكومة إلا ليقال إنهم وصلوا إلى شئ في بلد الوظيفة كل شئ؟

كل ما رأيناه من هذه النواحي أهون من الناحية التي تساق في مناظرة هذا المساء، فان ناساً يرجون أن تنوب الحكومة عن الأمة في الإصلاح الاجتماعي. وقد يرجون غداً أو بعد غد ان توزع الإصلاحات الاجتماعية والفردية في بطاقات؛ وقد يرجون أيضاً أن تنوب الحكومة عنهم في اختيار ألوان الطعام والشراب!

الأساس الذي أراه لبناء المستقبل أن تكون روح الشعب وروح الحكومة ممثلة في كل فرد، فيكون الرجل حاكما ومحكوماً في آن، حاكما لهواه ومحكوماً لنهاه، ثم تتلاقى قوى الأفراد كما تتلاقى القطرات الطاهرة من الغيوث فتخلق نهراً في مثل عظمة النيل

أنا أنتظر اليوم الذي يقال فيه على سبيل التفكه بحوادث التاريخ: كان في الدنيا حكومات وبرلمانات، وكانت الدنيا في بعض العهود ميادين قتال بين الآراء والأهواء

فإن لم نر ذلك اليوم، وهو في رأيي قريب، فلنخلقه في صدورنا، ولنكن رجالاً يستفتون ضمائرهم في جميع الشؤون، لا يخافون الناس، لأن النزاهة الروحية تخلق الأمان والأطمئنان، ولأن الصدق يحمي صاحبه من عدوان الباغين والظالمين.

وسبحان من لو شاء لحقق هذا الرجاء.

زكي مبارك

<<  <  ج:
ص:  >  >>