بين رحلة الشيخ الأولى إلى الحجاز سنة (١١٣٠هـ) والثانية (١١٤٥هـ) خمسة عشر عاما. وفي هذه الرحلة وصف أدق للطريق من الأولى، وقد رافقه فيها كل من الشيخ جرار، كبير جبل نابلس، والشيخ حسن بن مقلد الجيوسي شيخ بني صعب، وكلاهما من شيوخ الحزب القيسي في جبال نابلس.
وقد اجتمع الشيخ بعبد الله باشا، وذلك بواسطة محمد ابن مكي الغزي، وكان الأخير في معية الباشا، ومن أتباع الشيخ، وعبد الله باشا أحد ولاة الشام، وقد كان واليا لها سنة (١١٤٣هـ) أي قبل سليمان باشا العظم.
ويتعرض الشيخ إلى ذكر أذية الأعراب للحج، ويصف لنا زيارته للمدينة، ومكة، وينزل في مكة في بيت الشريف يحيى ابن بركات ويمدحه ويثني عليه، ولا يترك الشيخ هذه الفرصة تمر، فينشر طريقته في الحجاز، ومن بين الذين أخذوا عليه العهد مدرسان في الحرم الملكي.
ثم يصف لنا طريق رجوع الحج، وما قاساه في طريقه، ويذكر الجردة، وقلعة هدية التي عمرها سليمان باشا العظيم، وقلعة (جفيمان) التي عمرها الوزير عبد الله باشا.
ولنترك الشيخ البكري يقص علينا الآن رحلته الثانية إلى الحجاز فيقول:
(وبعد فيقول العبد الفقير للمولى الغني، مصطفى سبط الحين الصديقي، لما شاء الحق التوجه إلى بيت الله وزيارة رسول الله وقد هيأ الله للمسير لوازمه وسهل أسبابا وتوجهت الهمة، غب عزمة، للمنازل الرفيعة، وذلك بعد تكرار سنة استخارة وتحرر استشارة، وكان المسير إلى المقام الخطير، يوم السبت خامس شوال في ثاني ساعة منه، حان الارتحال، عن الأهل والأولاد والعيال، عام خمس وأربعين ومائة وألف (١١٤٥هـ - ١٧٣٢م) وكنا ودعنا خلانا وأصحابا، وجيرانا وأحبابا، وإخوانا وأنسابا، ولم ينزعج الفؤاد، إلا لوداع