للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[القصة عند العقاد]

للأستاذ نجيب محفوظ

الفن - أيا كان لونه وأيا كانت أداته - تعبير عن الحياة الإنسانية، فهدفه واحد وإن اختلفت كيفية التعبير تبعا لاختلاف الأداة، وكل فن في ميدانه السيد الذي لا يبارى، ففي عالم اللون التصوير سيد لا يعلى عليه، وفي دنيا الأصوات الموسيقى سيد لا يدانى وهكذا، فالفنون جميعا تتفق في الغاية وتتساوى في السيادة كل بحسب مجاله، وهي في مجموعتها تكون دنيا الأفراح والمسرات والحرية، حيث يعيش أبناؤها على وفاق ومحبة وتعاون، لا يكدر صفوهم مكدر، إلا أن يتصدى رجل كبير كالعقاد لدنياهم المطمئنة، فيرمي بحيرتها الساجية بحجر ثقيل يطين رائقها، ويبعث الثورة في أطرافها. فيقول: إن هذا اللون من الفن وذاك منحط، هذا عزيز وذاك مبتذل، يقول هذا وهو أعلم الناس بالفنون، وأحبهم لها. وأحقهم بأن يعرف لكل قدره ومنزلته. ولن يفيد الفن شيئا من تحقيره لبعض أنواعه. إلا أن يغضب قوما أبرياء يحبون الحق كما يحبه ويولعون بالجمال كما يولع به، ويبذلون في سبيل التعبير عنه كل ما في طاقتهم من قدرة وحب. وعسى أن يقول قائل: إن العقاد ما قصد التحقير، ولكنه مفكر وله الحق كل الحق أن يرتب الفنون عامة أو فنون الأدب خاصة كيفما يرى. وهذا حق في ذاته، ولكني في هذه القضية رأيت العقاد الخصوم يتغلب على العقاد الناقد. انظر إليه وقد لاحظ حواريه (في بيتي العقاد) صغر نصيب القصص من مكتبته فأجابه قائلا: (. . . لا أقرأ قصة حيث يسعني أن أقرأ كتابا أو ديوان شعر، ولست أحسبها من خيرة ثمار العقول). فالرجل الذي لا يقرأ قصة حيث يسعه أن يقرأ كتابا أو ديوان شعر ليس بالحكم النزيه الذي يقضي في قضية القصة. والرجل الذي يلاحظ على مكتبته صغر نصيبها من القصة ينبغي أن تكون القصة آخر ما يرجع إليه في حكم يتصل بها. بل إنه يفضل النقد - لا الشعر والنثر الفني وحسب - على القصة. والمعروف أن النقد ميزان لتقويم الفنون، فكيف يفضل على أحدهما؟! وهل تنزل القصة هذه المنزلة عند شخص إلا إذا كان كارها وعليها حاقدا؟! فحكم العقاد على القصة حكم مزاج وهوى لا حكم نقد وفلسفة. بيد أني أريد أن أتناسى ذلك، وأريد أن أنظر نقده بعين مجردة، لأن لكلام العقاد قيمة خاصة عندي، ولو كان مصدره المزاج والهوى

<<  <  ج:
ص:  >  >>