للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٣ - القرآن الكريم في كتاب النثر الفني]

إنكاره إعجاز القرآن

للأستاذ محمد أحمد الغمراوي

الإعجاز إعجازان، إعجاز معنى وإعجاز أسلوب. والإجماع منعقد عليهما في القرآن، لكنه إذا أطلق لا ينفك عن إعجاز الأسلوب، لأن الأدب أسلوب قبل أن يكون معنى، إذا المعنى للعقل والقلب، فهو مشترك أو يمكن أن يكون مشتركاً بين اللغات. أما الأسلوب فخاص غير عام، لكل لغة أساليبها، بل لكل أديب أسلوبه. فمن ينكر الأسلوب فقد أنكر الأدب في الواقع

وموقف الدكتور زكي مبارك من قيمة الأسلوب موقف عجب. فهو يجعل الأسلوب فصلاً بين لغة ولغة، ولكنه لا يجعله فصلاً بين أديب وأديب أو بين بليغ وبليغ. فالفصاحة والبلاغة عنده للمعنى، لا للفظ ولا للأسلوب. اقرأ له إن شئت في صفحة ٦٨ من الجزء الثاني قوله: (ونحن نرى أن سر الفصاحة والبلاغة يرجع إلى ما في المعنى من قوة وروح). وبعد أن أورد القطعة المعروفة التي أولها: لو كنت من مازن لم تستبح أبلى بنو اللقيطة. عقب عليها بقوله (وهذه القطعة من بدائع الشعر العربي. وهي قطعة خالدة ستظل قوية بارعة ما بقي في العالم ناس يفهمون سر العربية. ومع هذا لا تستطيع أن تجد فيها ألفاظاً يغز على غير قائلها الوصول إليها، أو أسلوباً في التعبير يتميز عن غيره من الأساليب. وجمالها كله يرجع إلى دقة المعنى وطرافته وتخير الألفاظ تخيراً يجعلها تتمثل مع المعنى كتلة واحدة)

ثم اقرأ له بعد ذلك (وقد تجد من الشعر ما تخلو معانيه وألفاظه من الروعة الظاهرة ولكن قوة الروح تصل به إلى أسمى غايات الإبداع. ومثال ذلك قول حطان بن المعلي يشكو فقره وما وضع القدر في رجليه من قيود الأهل والذرية:

أنزلني الدهر على حكمه ... من شامخ عال إلى خفض

وبعد أن استوفى القطعة المعروفة قال: (وقوة هذا الشعر ترجع إلى الشاعر لا إلى اللفظ ولا إلى الأسلوب). وهو في تفريقه هذا بين الشاعر وأسلوبه كمن يفرق بين المرء ووجهه أو بين الوجه وقسماته، فالأسلوب هو الشاعر والكاتب، والشاعر والكاتب هو الأسلوب. أو بعبارة أدق، الأسلوب هو مظهر الأديب ومعبره سواء عبر عن كل ما في نفسه أو عن

<<  <  ج:
ص:  >  >>