بعضه، فهو كل ما يعرفه الناس من الشاعر أو الكاتب، ولعل التفاوت في الأدب هو بقدر التفاوت في تعبير الأسلوب عن صاحبه، فأقدر الأدباء هو أكثرهم تمثلاً في أسلوبه. لكننا نترك هذه المسألة للمشتغلين بالأدب يتنازعونها بينهم، يوافقون الدكتور أو يخالفونه، لكن الذي يهم فيما نحن بسبيله هو إنكار الدكتور في الظاهر كل قيمة للأسلوب، واضطراره في النهاية إلى الإقرار له بكل قيمة حين جعله هو والمعنى كتلة واحدة كما رأيت في تعليقه على القطعة الأولى، وكما ترى له فيما يأتي:
(ولا جدال في أن الألفاظ والأساليب تتلون وتتشكل بلون الفكرة التي تسيطر عليها. وعلى هذا الأساس وجد والأسلوب الجزل والأسلوب الرقيق. فالرقة والجزالة من مقتضيات المعاني لا الألفاظ. فالمعنى الجزل له لفظ جزل، والمعنى الرقيق له لفظ رقيق. فإذا غلبت الرقة على شاعر مثل إليها زهير فمرجعها إلى الفكرة لأنه شاعر وديع يعبر عن معان وديعة يلهم أمثالها أصحاب الوداعة والرقة من الشعراء المترفين. وإذا غلبت الجزالة على شاعر مثل المتنبي فمرجعها أيضاً إلى الفكرة لأنه شاعر طامع في أسمى ما يطمح إليه فحول الرجال. . .) ص٧١ وهو في هذه القطعة يجعل المسألة مسألة ألفاظ ولا يجعل للتركيب شيئاً، ثم يجعل اللفظ هو والمعنى شيئاً واحداً، كأن المعنى إذا قام بالذهن، والشعور إذا قام بالنفس، جاء اللفظ طائعاً، جزلاً أو رقيقاً حسب المعنى أو الشعور. وهو لا يلتفت إلى ما يستلزمه هذا الرأي من وجوب اتحاد الأساليب باتحاد المعاني عند الأدباء، مما هو باطل بالبداهة، بل يزداد إغراقاً وأغراباً إذ يقول:(ثم نقرر أن الألفاظ ملك للجميع يجدونها حيث أرادوا في المعاجم والدواوين! (والتعجب من عندنا) ولا يبقى موضعاً للجهد والعنت أو العبقرية إلا المعاني والأغراض
. . . إن الألفاظ في مقدور كل شاعر وكل كاتب وكل خطيب، ولكن المعجز حقاً هو الفكرة. وليس معنى هذا أننا لا نقيم وزناً للصناعة الفنية. ولكن معناه أننا نقرر أن الفكرة تجيء أولاً ويجيء الورق ثانياً كما يقول الفرنسيون). وهو يريد بالورق فيما يبدو الألفاظ والأسلوب الذي سيبدو على الورق، فإذا كان ذلك كذلك فقد رجع بعد طول الحوار والخلاف إلى ما عليه جمهرة الأدباء من أن المعنى أهم من الصناعة الفنية ولكن الصناعة الفنية لها قيمتها ووزنها. والأمر إليك الآن في أن تجد اسماً لهذه الظاهرة في كلام صاحب النثر