للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تعقيبات]

للأستاذ أنور المعداوي

برناردشو في الميزان:

الذين يعرفون (شو) على حقيقته، يعرفونه من وراء هذه (اللافتات) الضخمة التي تكشف عن جوانبه وتشير إليه: لافتة العقل الساخر، ولافتة القلب الشاعر؛ ولافتة الكبرياء النفسية، ولافتة الطاقة الفنية. . وليست هي باللافتات التي تعلو إنتاج غيره من الكتاب فتلفت منك النظر دون أن تدفعك إلى إطالة الوقوف، ولكنها اللافتات (المضيئة) التي تجذب نظرك وفكرك، وتختبر أشعتها على القرب والبعد فلا يخبو لها بريق. وبهذه اللافتات (المضيئة) كما قلت لك، استطاع برناردشو أن (يبصر) مواضع قدميه في طريق الفن. . وطريق الحياة!

والسخرية في حياة (شو) هي المع اللافتات جميعا، بل هي الإطار الطبيعي الذي يحيط بكل صورة من صور هذه الحياة وهي في فنه نقطة الارتكاز التي يلتقي عندها خط الاتجاه النفسي الممتد من هنا وخط الاتجاه الفكري المنطلق من هناك. . وهي في حياته وفنه معا ذلك المعبر العظيم لإنسانية القلب وكبرياء النفس وأصالة الموهبة. وتضغط أنت على (زر) نفسي واحد لترسل التيار الكهربائي إلى هذه اللافتة الكبرى لتصبح (مضيئة) وتفسر على (ضوئها) ما تحمل اللافتات الأخرى من (ألوان) نفسية. . ما هو هذا الزر النفسي الذي يضيء لافتة السخرية عند (شو)، أو ما هو (مفتاح النور) لهذه الملكة الفذة التي غطت على غيرها من الملكات؟ أنه السخط. . السخط المتأصل في أعماق النفس منذ القدم على بعض القيود والأوضاع!

هذه الملكة النادرة عند هذا الكاتب العظيم، أنبتتها (الوراثة) وأنضجتها التجربة، وتولتها الموهبة بالعرض والتقديم. . لقد ولد في مهد العاقة فسخط، وبدأت حياته وانتهت وهي سلسلة من السخط المدثر بأثواب السخرية لقد سخط على الأغنياء لأنه تذوق طعم الفقر وسخط على الاستعمار لأنه نشأ حر الفكر، وسخط على العاجزين لأنه شجاع يؤثر الغلبة والاقتحام. . ثم أفرغ هذه الطاقة الساخطة في ذلك القالب الساخر؛ الساخر من شتى المثل والقيم والتقاليد!

<<  <  ج:
ص:  >  >>