قلت فيما كتبت منذ أسبوعين عن رسالة الأديب أنني أستعيذ بالله من اليوم الذي تتوقف فيه أقدار الأدباء على مقاييس الدولة، لأن سيطرة الدولة على أقدار الأدباء معناها إخضاع الفكر الإنساني للعرف الشائع مضافاً إليه إجحاف الهوى والمحاباة، وليس من وراء هذا الإخضاع خير للفكر ولا للأديب
إن تقويم أعمال الموظفين من أخص أعمال الدولة، لأن الوظائف تجري على قياس معلوم في نطاق محدود، وليس فيها مجال للتعمق ولا للإغراق ولا لاختلاف المذاهب والشروح
ومع هذا نبحث عن الإنصاف في محاسبة الموظفين فترى عشرين مثلاً للإجحاف والإهمال. والنسيان وسوء التقدير إلى جانب مثل واحد من أمثلة الجزاء الحق والقسطاس المستقيم
فكيف تكون الحال في تقويم الأدب والأدباء؟ وكيف تكون الحال في الجديد من المقاييس الأدبية، ولا خير في المقاييس الأدبية إن لم يحسب فيها حساب التجديد والإبداع؟ وكيف تكون الحال في الرأي المستقل والخلق المستقل والعمل المستقل، ولا خير في الأدباء إن لم يكن لهم استقلال في الآراء والأخلاق والأعمال؟
أحسب أنني تحدثت بالبداهة يوم استعذت بالله من تسليط الدولة على مقاييس التفكير وأقدار المفكرين
ولكننا في البلد الذي (من فاته الميري فيه وجب عليه أن يتمرغ بترابه. . .)، فلا عجب أن يثقل ذلك المقال على كثير من أصحاب الأطماع والآمال، وأن يأبى بعض الذين كتبوا في الصحف وبعض الذين كتبوا إلي إلا أن يكونوا كتاباً (أميريين). . . فإن لم يكونوا أميريين فلا أقل من التراب وما شابه التراب
ويكتب إلي من يقول إن مقاييس الدولة في مصر لن تدوم على ما أصابها من قبل أو يصيبها الآن من العيوب، فهي في الغد كفيلة بحسن التقويم، ومتى حسن التقويم فلماذا هذا الحذر من الجور القديم؟
وتشاء المصادفة أن أقرأ هذا وأقرأ معه فصلاً مسهباً عن (الأربعين الخالدين) في فرنسا