للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الموسيقى والغناء والحروب]

للأستاذ محمود البشبيشي

لا تستطيع النفس أن تتخلص من مشاعرها وعواطفها لأنها بضعة منها، بل إن الشعور والعاطفة هي الحياة نفسها. . .

وما تُحسب من الأعمار أيام تمر من غير أن يشعر بها الإنسان ولا يصيبه فيها ألم أو فرح. . . وإذا كانت الحياة هي الشعور بما في الحياة كانت مصادر الشعور من أسس الحياة التي لا سبيل لإنكار وجودها؛ ومن هذه المصادر: الجمال، والشعور به هو عاطفة الحب والوفاء، والوطن، والشعور به هو عاطفة الحنين والفداء

وليس في مقدور الإنسان وقد خلق وفي نفسه تقدير الحسن من الأشياء، ألا يعجب ويتأثر. . . بل إن الإنسان إذا فقد هذا الشعور فقد معه صفة الإنسانية، وأصبح كالصخر يحتضن الزهر والشوك ولا يفرق بين رقة هذا وغلظة ذاك. . .

تمر الصور بالإنسان فيتأثر بها، وقد يزداد هذا التأثر فيصير حباً يلازمه، فيتعلق بها تعلق روح وقلب. فإذا فارقها تعلق بها تعلق ذكرى وحنين. وإذا طال الفراق، وتمرد الشوق، صاغ أشواقه نغماً ورتلها نشيداً؛ وإن ذلك منه لهو الوفاء بعينه، الوفاء الذي ضاق بأسلوب الحديث والكتابة. فخرج في أسلوب منغم منظم أصدق في التعبير عما فيه من عاطفة روحية من كل الأساليب

ومن هنا كانت الموسيقى والغناء!

كانت الموسيقى وليدة الإعجاب بالشيء، فهو شعور وعاطفة نحو هذا الشيء. وكذلك الغناء، كانت الموسيقى تعبير الروح الذي عجز عن عرضه اللسان بلغة الكلام، فهي إحساس روحي نبيل لا سبيل للخلوص منه، وكذلك الغناء

الموسيقى إذن من مادة الشعور والعاطفة والروح، وليست من مادة الفكر والمنطق والاجتماع. . . ومن ثم لا يعقل أن نقيدها بموازين الفكر والمنطق والاجتماع. وكذلك الغناء. فمثلاً مما يقع تحت النقد الدعوة إلى تثبيط العزائم وقت الحروب. ومما يقع تحت النقد تنفير الناس من الجهاد بأساليب الخوف والتهاون

ومما يقع تحت النقد اشتغال القوم بالنظريات الفكرية والجدل والخطر يتوثب! كل هذا قد

<<  <  ج:
ص:  >  >>