ولكن ليس من المعقول أن ينتقد التعبير الموسيقي في مختلف صوره الوجدانية وكذلك الغناء
لأن الموسيقى من الشعور، والشعور فوق القيود، بل هو قيد اتجاهات الحياة فينا
فقد يجوز أن تنتقد فكرة أو رغبة أو طريقة حياة وعمل، لأن العقليات صاحبة الحكم هنا، تتفاوت وتتباين. يجوز هذا ولا يجوز أن تنتقد وتنكر أو لا تقبل قطعة موسيقية وجدانية، لأن المشاعر والأحاسيس تتلقاها، إما بعاطفة الطرب للنغم، أو بعاطفة الحنين والذكرى؛ والمشاعر في الحالتين محتاجة لها
ومن ثم لا يجوز لكائن من كان أن ينكر أناشيد العاطفة وموسيقى العاطفة في زمن الحروب
لأنها صورة من صور الروح الإنسانية، وعبير من مشاعرها ولون الحياة فيها، ولا يمكن أن تقيد أو تفقد. . . بل من العار أن يتجرد الإنسان منها، لأنه حينئذ يتجرد من آدميته - وإن ظن بعض الناس غير هذا - إنه لو تجرد منها فقد أصبح لا يقيم لحوادث الحياة وزناً، وساء تقديره لمؤثرات العيش. . . فلا حظ يحركه، ولا حزن يؤرقه، ولا فرح يطربه، ولا شوق يقلقه. وغاية القول إنه لو تجرد من عواطفه التي تطرب للنغم الوجداني في كل زمان ومكان، سقط من سجل الوجود، لأنه حينئذ لا يتأثر بما يدور في المجتمع وما يطرأ عليه من تقلبات الحياة
أجل، إن من لا تتأثر عواطفه، وتتحرك مشاعره، ومن لا تكون في نفسه عقيدة الحب لا يكون جديراً بالحياة ولا تنتظر منه المنفعة، ولا يكون فيه رجاء وغناء. وكيف وقد انفصل عن كل شئ، فلا تربطه عاطفة بشيء!!
يا قوم إن موسيقى العاطفة والحب تلهب في النفس الحنين وتؤجج الشوق. واشتداد الحنين والشوق إلى المحبوب مثلاً يكون في الجندي خاصة ألواناً من المثل العليا منها الرغبة في حماية هذا المحبوب لتدوم له السعادة به، وحمايته تقتضي حماية الوطن لأنه منه، وما الوطن إلا موطن الأهل وروض الأحبة
ومن هذه المثل الشعور بالعاطفة الروحية التي تربطه بالمحبوب. وإن هذه العاطفة نفسها لصورة مصغرة لما يربطه بوطنه الذي يرتع في ظلاله ويحب