احتفلت هذه الجمعية البرة منذ يومين بانقضاء عامين من جهادها النبيل في إنهاض القرية المصرية. وهذه الجمعية هي أيضا من أعمال الشباب؛ ولعلها أقرب أعمالهم الجليلة إلى الخير المحض! فإن ما ركبوه إلى اليوم من قحم السياسة، وما عالجوه من خطط الاقتصاد، إنما كان مبعثه الغرور القومي، أو الشعور الوطني، أو هما معا؛ أما هذا العمل الخالص عاطفة البر في الإنسان بأخيه الإنسان؛ وهذه العاطفة إنما غرستها في القلوب يد القدرة، وأنمتها قوة الفطرة، وفرضتها طبيعة الحياة، ليحصل بها التئام شمل الناس، وانتظام عقد المجتمع، واتحاد وجهة الإنسانية بالتعاون والتضامن إلى كمال البشري الممكن
راع الشباب - وهم موضع الحس المرهف من الأمة - ما جره تفشي الأمية على القرى المصرية من انقطاع السير، وانخزال الحركة، وانتشار العلل، وانفجار الأحداث، واغبرار العيش، وهي مصدر القوة للشعب، ومورد الثروة للوطن، فحشدوا جنودهم في هذا الميدان، وسددوا جهودهم إلى هذا الغرض، وراحوا يهاجمون الجهل والفقر والمرض في تلك الحظائر أو المقابر التي ضمنت أجوافها السود أربعة أخماس الأمة، ثم دأبوا يقرعون الآذان بالخطابة، ويخزون الضمائر بالكتابة، ويهيبون بالحكومة والقادة أن يأخذوا من تجميل المدينة لتأثيل القرية، ومن ترف الباشا لحاجة الفلاح، ومن فلسفة الخاصة لأمية العامة، حتى ارتفعت حجب الأسماع، وانكشفت أغطية القلوب، فعطف على قضية القرويين رجال البلد من أولي الحكم وأهل العلم وذوي المثالة، وألفوا من قدرة الشبيبة، وخبرة الكهولة، دستور العمل المنتج لإنجاد الفلاح وإسعاد القرية
لعل أنطق الأدلة بخطورة العمل الذي تقوم به هذه الجمعية الجليلة أن
أصف لك قرية أعرف بيوتها كما أعرف بيتي، وآلف أهلها كما آلف
أهلي، وستجد حين توازن بين قريتي وقريتك أنني وصفت على الجملة
قرى مصر جميعا:
كومة من سبانخ الأرض قام عليها أكواخ متلاصقة من اللبن، سقوفها بالخشب والقصب، وحلوها بالعلف والحطب، وجملوها بشرفات من الروث اليابس، ثم جعلوا ظهورها خلاء للحاجة، وبطونها مسرحا عجاجا لشتى الأوالف والدواجن من الكلاب والقطاط والعجول