والدجاج والبط، ثم جمعوا بين قاعة الإنسان وزريبة الحيوان في فناء واحد، فالحديث يمتزج بالخوار، والمضغ يشتبه بالاجترار، والرجل والثور، والمرأة والبقر، والطفل والعجل، يعيشون في شيوعية عجز عن تحقيق حلمها (الروس)! لا يؤديك إلى هذه الدويرات العمى مسلك واسع ولا طريق مشروع، إنما هي طوائف وطوائف، تفتحت كل طائفة منها على زقاق ضيق غير نافذ، ولن تستطيع الدخول في هذا الزقاق إلا من الطريق الدائر حول القرية!. . . بلى قد يشق البلدة منفذ صاعد هابط متحدر متعرج وعر، ولكنه بين الفجوات والحفر يكون أشبه بصراط الحق بين مزالق الفتنة
يركبها من الشمال مستنقع ومن الجنوب مستنقع، ثم يحيط بها ويتخللها من السرجين والسماد منها الرطب ومنها اليابس، وفي أحضان هذه التلال، وعلى حوافي هذه المناقع، قامت مجالس القوم، يجلسون فيها تحت الجدران وفوق المصاطب يستجمون حينا من العمل الدائب والعناء المرهق، لا يألمون لسع البعوض، ولا ينكرون ريح الوحل؛ ثم لا يجري بينهم إلا الحديث القابض كتضاعف الدين على الأرض، وتحكم المالك في الريع، وفتك الآفات بالزرع، وإلحاح الكساد إلى القطن، وما تدخله تلك الحال على النفس الجاهلة من وساوس الأطماع وسخائم الحقد وغوائل الحسد!
اصطلحت على دمائهم الفقيرة جراثيم الملاريا والبلهارسيا والانكلستوما، فغدوا كواسف الوجوه، خواسف الجسوم، خوائر القوى، يعالجون المرض بالصبر، ويخففون الألم بالتسليم، ويدافعون الموت بالتعاويذ، ويسيئون الظن بالمستشفيات التي لا تقبلهم إلا بالشفاعة، ولا تعاملهم إلا بالفظاظة، ولا تحسن علاجهم إلا بالمال في العيادات الخاصة. . . وأين المال من رجل كل ما يملكه أجرة يومه لقوت يومه؟ وليت هذا القوت كان من الأقوات التي تصلح الجسم، وتدفع السقم، وترد العافية! إنما هو في الغالب رغفان من الذرة أو الشعير مأدومة ببعض أحرار البقول واللبن المملح. . .
استغل الملاك ضعفهم، والمرابون جهلهم، فوضعوا أيديهم على أختامهم يطبعونها على العقود والصكوك في غير رحمة ولا ذمة، حتى إذا انقضى الحول وآل كدح الأسرة الناصبة، وجهد الماشية الاغبة، وشقاء الفلاح المسكين، إلى الثمرة المرجوة، عدا عليها الدائن اللص، أو المالك الظالم، فجباها لجيبه، أو جناها لمخزنه