رأينا عدم غناء الطريقة الاستنتاجية في الوصول إلى مُثُل عليا مرضية من الجميع؛ وهذا ما دفع فريقاً من الفلاسفة للتوجه وجهة أخرى في تعرف الخير والشر والحسن والقبيح؛ هذه الوجهة هي الحاسة الأخلاقية أو الملهمة، حاسة المعرفة المباشرة التي لا تحتاج لنظر واستدلال، بل يكفي أن نلجأ إليها لتهدينا سواء السبيل
هذه رسالة كل فلاسفة أخلاق العاطفة تقريباً كرجال المدرسة الإنجليزية والايكوسية في القرن الثامن عشر أمثال: شاْفِتسْبِرِى، وهَتْشون، وآدم سْمِيثْ. ثم جان جاك روسو الفيلسوف والكاتب الفرنسي المعروف، وشارل جُوسْتَافْ جَاكُوبِي العالم الرياضي الألماني الذي عاش في القرن التاسع عشر
(هتشون) مثلاً يرى أن هذه الحاسة تميز الخير من الشر كما تميز العين الألوان، وتجعل المرء يحس مسرات وآلاماً معنوية خاصة هي نتيجة ما يعمل من خير وشر. و (روسّو) يرى فيها، وبعبارة أخرى يرى في الضمير لأنهما اسمان لمسمى واحد، القوة التي تلهمنا القانون الأخلاقي. تراه يناجيه مناجاة خالدة يقول فيها:(أيها الضمير، أيتها القوة الفطرية الخالدة، أيها الصوت السماوي، أيها القائد الأمين للإنسان الجاهل المحدود - وأن كان ذكيّاً - حراً في إرادته، أيها القاضي الذي لا يضل في تمييز الخير من الشر. . . أنه أنت أشرف جزء في طبيعته، وأنك الفضيلة في أعماله. بدونك لا أشعر بما يرفعني عن الحيوانات ما عدا الميزة التي تجعلني أضل في ميدان الأخطاء، وهي أداة الفهم التي لا قاعدة لها، والعقل بدون مبادئ يسير عليها). أما (جاكوبي) فيقول: (ما هو الخير؟ كل امرئ يملك في قلبه إلهاماً مباشراً به قوة إلهامية تبينه له)
هذا الفهم؛ هذه الطريقة في تعرف القانون الأخلاقي يستحق ما وجّه له من نقد شديد من كبار المفكرين وخاصة الأستاذ العلامة (ليفي بْرِهْلِ مؤلفه القيم (الأخلاق وعلم العادات) حين يقول: (هذا المذهب يفترض أن الطبيعة الإنسانية هي واحدة في نفسها لا يعتورها التغير في جميع الأزمان والبيئات، وأن محتوى الضمير الأخلاقي يكون مجموعاً منسجماً