للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

منظماً، ولكنا علمنا سابقاً كيف كان اختلاف الأفكار الأخلاقية شديداً حسب العصور المتعاقبة، وكيف اختلف وتختلف أيضاً الآراء الأخلاقية باختلاف الأمم والشعوب. كيف كان من الممكن إذاً - لو أن هذا المذهب صحيح - أن توحي هذه الحاسة التي لا تضل كما يقولون هذه المبادئ المختلفة أشد الاختلاف بل المتناقضة في بعض الحالات! ثم إننا نحس أحياناً كثيرة تنازعاً وخصومة مؤلمة حادة في ضمائرنا حتى ليكون أسهل على المرء أن يعمل واجبه متى تبين له من أن يعرف بوساطة هذه الحاسة

أنه من المستحيل أن يحدّ المرء نفسه بكتابة الأخلاق تحت إملاء الضمير، وإذاً فلننتقل إلى بحث الطريقة الأخيرة لمعرفة المثل الأعلى الأخلاقي، وهي طريقة الاستقراء، علّنا نصل إلى تحديده على نحو مقنع مرض للجميع

يرى فلاسفة مذهب اللذة الشخصية أمثال (أَرِيستيبْ و (أبيقور اللذين عاشا في القرن الرابع قبل الميلاد، أن الناس جميعاً يتطلبون اللذة في كل ما يعملون كما يفرون من الألم دائماً، على اختلاف بينهم فيما يعنون باللذة وفي تطبيق هذه القاعدة التي هداهم إليها استقراء ما فطر عليه الناس من طباع. كذلك ترى بعض فلاسفة الأخلاق المحدثين يصدرون عن هذا المذهب. هاهو ذا (جرمي بنتام) الفيلسوف الإنجليزي المعروف في القرن الثامن عشر يؤكد بعد استقراء طويل أن جميع الناس تبعثهم المنفعة أو السعادة على أعمالهم حتى في الحالة التي يضحون فيها بعض المنافع أو يقبلون شيئاً من الآلام، لأن ذلك معناه تطلب منفعة أكبر وأفضل. إلا أنه يضيف إلى هذا تأكيداً آخر هو أن اللذة تكبر وتتسع حتى تشمل أكبر عدد ممكن من الناس، وأن سعادة كل امرئ لا تنفصل عن سعادة الجميع. من أجل هذا يجب على الإنسان باسم سعادته أو منفعته الخاصة أن يبحث في أعماله عن (أكبر مقدار من السعادة لأكبر عدد ممكن). وفي القرن التاسع عشر نجد (سْتيوارتْ ميل) يبدأ بحثه بأن جميع الناس يبحثون عن السعادة، فيرى لهذا أن تكون الغاية الإنسانية والمثل الأعلى الأخلاقي هي (السعادة النبيلة التي تأتي من اللذائذ العالية، مثل لذة التضحية في سبيل إسعاد الغير والإنسانية).

حقاً هذا كله مقنع مرض في نتائجه إلى حد ما، وحقائق نفسية لا شك فيها. ولكن بأي طريق وصلوا إليها؟ هانحن أولاء نقبل مؤقتاً فكرة أن جميع الناس يبحثون ويجرون وراء

<<  <  ج:
ص:  >  >>