ما أجدر هذه الأبيات أن تنقش عند ضريح الشاعر، وأي كلام أولى بقبر أبي العلاء من أبياته في صفة قبره؟ طال وقوفنا وتأملنا واعتبارنا إلى هذا الحدث، قارئين فيه فلسفة أبي العلاء القائل.
لو نُخِل الناس لما حصْلت ... شيئاً سوى الموت يد الناخل
والفكر يحلق في أرجاء العالم، ويعبر صحف الحياة ثم يقف على هذا القبر كما يقع الطائر بعد طول تحليق وتدويم.
فيالك قبراً على قربه ... تظل العقول به في سفر
ويالك قبراً كعين البصير ... يحوي العوالم فيها صِغرَ
وتكلم على القبر الدكتور طه حسين والدكتور مهدي البصير وأنشدت قصيدة معروف الرصافي، ولكن كان سكون هذا الجندل أبلغ. كان هذا السكوت أغلب على السمع والقلب من كل قول. إن هذا السطر المسمّى الضريح بيتُ المقطع من شعر الفيلسوف الحزين. إن هذه الصفيحة الجاثمة على قبره وقد ألحَّ عليه البلى ألف عام لكلمة في فلسفة المعري جامعة. لا أدرى أأقول إنها عنوان وراءه كل ما قال الشاعر في الحياة والموت، أم أقول إنها توقيع الزمان مصدقا كل ما أنشد الشاعر في البلى والفناء والزوال.
ثم دخلنا إلى الحجرات التي شيدت وراء القبر لتتخذ خزائن لمكتبة المعري. وانصرف الزائرون يسلكون الشارع الكبير إلى دار مضيّفنا. وسلكت في صحبة سعادة الأستاذ كرد على دربا عتيقا ضيقا إلى هذه الدار، الدار التي أكرمت وفادتنا قبل أربعة عشر عاما، دار حكمت بك الحراكي. وهي من دور الشام القديمة ظاهرها قلعة وباطنها روضة. وكانت الدور الكبيرة في تاريخنا تبنى ليسكن إليها أهلها وينعموا فيها ويستكنوا، وكانت حرما لأهلها، ومنتدى للصَحب والجيرة. فلما قُلبت معيشتنا، قلبت الدور فصار باطنها ظاهرَها، وزالت حُرمتها وحصانتها وهجرها أهلها إلى النوادي العامة.
اجتمع الضيوف في قاعات الدار وفي حديقتها حول الأحواض والنافورات وقد صفت