الفن ترتيب أجزاء متفرقة ترتيباً اختيارياً حسب فكرة معينة لتؤدي إلى غاية معلومة، هي أن يُخلق من تلك الأجزاء كلاً واحداً، أو حلقاً جديداً يثير في النفس عاطفة الجمال. فهو إذن إنتاج حر للجمال، لا الجمال الواقعي فحسب، بل مزيج من الجمال الواقعي والجمال المثالي. فلابد من أن توجد فكرة مثالية عن الفنان يحققها ويعبر عنها بمساعدة الواقع. ويتخذ الفن في تعبيراته عن تلك الفكرة أشكالاً مختلفة هي ما نسميه بالفنون الجميلة - فالنون الجميلة إذن، هي مختلف حالات الانفعالات الجمالية التي ينفعل بها الفنان إزاء أشياء معينة، فيحاول أن يعكسها ويعبر عنها، لكي يتذوقها غيره، فينفعل بها كما انفعل هو
والفن في تعبيره عن هذه الفكرة يخاطب الحواس، لا الحواس كلها، بل هو في الواقع يخاطب حاستين منها فقط هما: السمع والبصر؛ وعلى ذلك تنقسم الفنون الجميلة إلى مجموعتين:
(ا) ما يخاطب السمع وهي: الموسيقى: (سواء أكانت موسيقى صامتة، أم يصاحبها غناء مفرداً وجوقة) والشعر
(ب) ما يخاطب البصر وهي: النحت والعمارة والنقش ولكن، هل الفنون جميعها على درجة واحدة من السمو والرفعة؟ أو بمعنى آخر: هل هناك فنون أرقى وأرفع من غيرها؟ وإن كان الأمر كذلك، فعلى أي أساس يمكن تصنيفها وترتيبها إلى فنون راقية رفيعة، وأخرى أقل منه؟
لقد رأينا أن الفن هو الإنتاج الحر للجمال، ورأينا أيضاً أنه لابد من التعبير عن فكرةٍ ما في الفن؛ فقانون التعبير هو أهم قانون عام مشترك بين كل الفنون، وعليه يجب أن يقوم التصنيف. فالفن الذي يكون أكثر تعبيراً وأغنى في وسائل تعبيره من غيره يكون هو الأرقى. وليست الفنون على درجة واحدة من تلك الحرية في التعبير، فنحن نجد مثلاً أن حرية التعبير أقل ما تكون في فن العمارة، والفنان المعماري مقيد إلى أبعد حد؛ بينما تتمتع الفنون الأخرى بحرية في التعبير أوسع من ذلك، مع تفاوت فيما بينها. كذلك تختلف قوة تعبير كل فن عن الآخر إزاء شيء واحد بالذات؛ فالموسيقى مثلاً يمكنها أن تصور لنا منظر عاصفة عنيفة تصويراً أبلغ وأعمق مما يصوره لنا النقش مثلاً، فهي تعبر عنها أحسن تعبير منه، وتثير فينا من العواطف والوجدانات ما لا يثيره هو فينا إن تعرض