أما بعد فإن القرآن الكريم منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً قد أبدى من التوجيهات الطبية ما لم يعرفها الطب إلا حديثاً ولم يصل إلى كنهها إلا بعد فحص وتمحيص.
ولست هنا لأتكلم عن نضارة القول وفصاحة الكلام ودقة الأداء وحلاوة التعبير في كتاب الله فهذا قد خاض فيه رجال الأدب وما بلغوا منه ساحلا، إنما أتكلم من وجهة الطب بعد أن كشف الطب ودائع الغيب في كتاب الله الكريم فانجلت الرغوة عن الصريح ووضح الحق لذي عينين. فإلى الذين انصرفوا عن نور الإيمان وانحسرت نواظرهم عن طريق الهداية أقول: اسمعوا وعوا عسى أن يذكر ما أقول منكم ناسيا وينبه فبكم لاهيا.
وإلى الذين نبت الإيمان في حنايا ضلوعهم وامتلأت به أرجاء قلوبهم أقول: اسمعوه تجدوا فيه روحا على قلوبكم وبردا على صدوركم وزيادة اطمئنان وحلاوة إيمان.
يقول الله تعالى (فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا، يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) هنا تعجب قوم مريم كيف تأتي أمرا فريا وأبوها لم يكن امرأ سوء وأمها لم تكن بغيا فبين الله تعالى في هذه الآية على لسان قومها أن الأخلاق تنتقل بالوراثة وأن الأب إن كان غير حميد الخلق والأم إن كانت فاسدة نقلا إلى ذريتهما سوء الأخلاق بالتوريث.
وقال تعالى (قال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلى فاجراً كفارا)
ومعنى ذلك أن الخلف يأخذ من السلف صفاتهم بالوراثة؛ فهؤلاء الكفار الفجر لا يلدون إلا أمثالهم. ولا جرم أن الولد سر أبيه ولا تلد الحية إلى حية.
هذا وفي أحاديث رسول الله (ص) ما يؤيد تأثير المرأة في توريث أخلاقها لأنسالها فيقول في الحديث (تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دساس) ويقول (تخيروا لنطفكم ولا تضعوها في غير الأكفاء).
فنرى في هذين الحديثين أن رسول الله قد وضع أسس علم الوراثة فحذر من زواج المرأة إن لم تكن في الحجر الصالح أو لم تكن من الأكفاء لأن العرق دساس ينقل إلى النسل ما