كان مركز البابوية ومقامها قد أنحط كثيراً في أثناء القرن العاشر واصبح موضوع نزاع الأحزاب في رومة؛ واعتلى عرشها أناس لا خلق لهم كانوا سبباً في تشويه سمعتها الدينية فسقطت أهميتها في نظر المسيحيين. وحينما اعتلى عرش الإمبراطورية هنري الثالث اهتم بأمر البابوية وعزم على النهوض بها فعين لها رجالاً من ذوي الكفاءة والمقدرة؛ وهكذا بدأ الباباوات يستعيدون مكانتهم التي كانوا قد أضاعوها خلال القرن العاشر واخذوا يعملون على إصلاح المساوئ وإعادة المجد البابوي
وأشهر من قام بهذه المهمة الصعبة هو هيلد براند الذي ارتقى عرش البابوية باسم غريغوري السابع، فقد نظم شؤون الكنيسة تنظيماً محكماً وقضى على الفوضى فيها وجمع السلطة الدينية في يده وحكم على رجال الدين كبيرهم وصغيرهم أن يخضعوا له دون اخذ ورد. هكذا مهد السبيل لخليفته أربان الثاني الذي رأى بعين البصيرة أن الظروف أضحت مواتية ليقوم بأكبر عمل يعلى به مجد النصرانية وهو إشهار الحروب الصليبية على المسلمين وتخليص الأراضي المقدسة من أيدهم. ولقد اتفق أن هاجمت الجيوش السلجوقية الإمبراطورية البيزنطية وهددتها في عقر دارها فهرع الإمبراطور ألكس يطلب النجدة من البابا أربان الثاني؛ فلما تلقى هذا تلك الاستغاثة رآها فرصة سانحة لبسط سلطان الكنيسة الكاثوليكية على سائر أنحاء العالم النصراني في الشرق والغرب فلبى النداء وقرر السير في ترتيب حملة صليبية كبرى
لقد كان أربان الثاني في قراره هذا يستند على ما كان للكنيسة من قوة ونفوذ في الأوساط المسيحية، إذ أن النصارى يومئذ كانوا لشدة جهلهم يقترفون آثاماً كبيرة ويحملون أنفسهم أوزاراً كثيرة، ولم يكن أمامهم لرفع تلك الأوزار إلا القيام بالأعمال الصالحة كالحج والصوم وتعذيب الجسم والتقشف في الملبس والمأكل، وكان الحج أهم هذه الأعمال وأكثرها ثواباً. أما القتال في سبيل تخليص بلاد ذلك الحج فهو في نظرهم أهم عمل يقوم به إنسان لأنه يرضي به ضميره ويقدم أعظم تضحية للعالم النصراني الذي ينتمي إليه