في يوم ١١ يوليو من سنة ١٩٥٠ توفي المرحوم الإمام الشيخ محمد عبده، وقد بقي أسم الأستاذ الإمام بعد موته كما كان في حياته اسماً عالي الذكر حتى ليكاد يذكر إلى جانبه ما قاله المتنبي عن المجد:
وتركت في الدنيا دوياً كأنما ... تداول سمع المرء أنمله العشر
كان أسم الشيخ محمد عبده في حياته وبعد موته عالي الذكر، وكان شخصه في حياته وبعد موته عظيم الأثر.
فلم كانت للشيخ الإمام هذه المنزلة في الحالتين. . .؟
ترك الشيخ عبده مؤلفات كثيرة، منها شرحه على نهج البلاغة، وشرحه مقامات بديع الزمان، وشرح على البصائر النصيرية في المنطق، وتفسير جزء (عم) والإسلام والنصرانية، وهو مجموعة مقالاته في الرد على هانوتو جمعت في كتاب، وله كتاب ترجمه عن الفرنسية في النهضة الأوربية، ولكن هذه الكتب كلها ليس لها، في رأيي، سوى قيمة جزئية محدودة. وبعض هذه الكتب لا يعرفها ولا يقرؤها الآن أحد، حتى تفسيره الذي جمعه المرحوم الشيخ رشيد رضا، رغم قيمته الذاتية وشهرته، يصدق عليه أيضاً هذا الوصف الذي ذكرته عن بقية كتبه.
لم كانت، إذن، للشيخ هذه المكانة حياً وميتاً.؟
أعتقد أن شخصية الشيخ وكفاحه هما اللذان جعلا له هذه المنزلة في تاريخنا وتاريخ الشرق الحديث.
وقد كان يتخذ كتبه تلك ومحاضراته ودروسه ومقالاته وسيلة من وسائل كفاحه وتمكين دعوته الإصلاحية وبثها والعمل على نماء غرسها.
كافح الشيخ، عندما عين محرراً أول للوقائع المصرية، لإصلاح الأداة الحكومية وإرشاد الحاكم والمحكوم فكان من أقوى المكافحين.
وكافح، معارضا، الثورة العرابية، لأنه كان من دعاة التطور التدريجي، ولأنه كان متوجساً من الحركات العنيفة، ولأنه كان، أيضاً، سيئ الرأي في زعماء الثورة، وخاصة عرابي،