فلما خرجت الثورة عن كونها حركة من الجيش ضد ما يراه ظلماً وهضماً، وانتقت إلى أن تكون حركة من الأمة كلها ضد الإنجليز، انحاز الشيخ إلى جانب الثورة مع وطنه، فكان في معارضته وتأييده من أقوى المكافحين. وحوكم، بعد فشل الثورة بوصف كونه من زعمائها وحكم عليه بالنفي سنوات ثلاث، وكان إذ ذاك في سن الثلاثين.
وكافح، مع أستاذ جمال الدين في بارس، حين أنشآ مجلة (العروة الوثقى) كافح مع أستاذه ضد الظلم وضد الأستعمار، وكانت مجلتهما هذه، التي لم يصدر منها سوى بضعة عشر عددا، من أكبر أسباب القلق عند الإنجليز والفرنسيين، ومن أكبر عوامل التنبه واليقظة عند المسلمين والشرقيين.
وكافح في لندن متحدثاً وخطيباً في مجلس العموم، وسفيراً غير رسمي لدى رجال السياسة والصحافة من الإنجليز، في سبيل استقلال مصر ووفاء الإنجليز بوعودهم في الجلاء عنها.
وكافح في بيروت في سبيل النهوض بالتفكير والتحرير الذهني، وبيروت كانت في ذلك الوقت قطعة من الإمبراطورية العثمانية، الإمبراطورية التي كانت يحكمها السلطان عبد الحميد وتخضع لجبروته وسطوة جواسيسه الذين لم يكونوا يكرهون شيئاً مثل كراهتهم لكل تفكير وكل حرية.
وكافح في سبيل إصلاح التعلم الديني في مدارس الإمبراطورية العثمانية وفي سبيل إصلاح ولاية سوريا، وكتب في هذا وذاك إلى والي بيروت وإلى شيخ الإسلام في الأستانة.
وكافح في سبيل أن تدرك الأمة الإسلامية، والإسلام عنده جامعه، أن تدرك هذه الأمة حقوقها قبل حاكميها. حتى قال هو عنه نفسه أنه كافح (والاستبداد في عنفوانه، والظلم قابض على صولجانه، ويد الظلم من حديد، والناس كلهم عبيد له أي عبيد)
وكافح، في مجلس شورى القوانين، وكان عضوا، دائما فيه، في سبيل تمكين سلطة الأمة والتوفيق بين المجلس وأصحاب السلطة، وتنفيذ أكبر عدد ممكن من القوانين الإصلاحية.
قال، وهو في إنجلترا، عن الخديو توفيق (إنه مهد لدخول الإنجليز مصر؛ ولذلك لا يمكن أن نشعر نحوه بأدنى احترام، إننا لا نريد خونة، وجوههم مصرية وقلوبهم إنجليزية.!؛، قال ذلك عن توفيق ونشره في صحيفة إنجليزية، وتوفيق يحكم مصر، وهو منفي عنها يتمنى لو يعود.