إنها لصفحة مروعة تلك التي قرأناها في هذا الكتاب. صفحة الدسائس والدماء حقا. صفحة تصور لك في أسلوب روائي أخاذ ذلك العصر الدامي الفاجر الذي عاشت فيه مصر حقبة من الزمن، وهي ترى بعيون ذاهلة وقلب ينبض حسرة وألما، ونفس صابرة هذه المشاهد الجهنمية التي تمثل على مسرحها. ذلك هو عصر المماليك الذي أحياه أمامنا في لباقة صديقنا القصصي الأستاذ خيري سعيد، فاستطعنا ونحن نقرأ كتابه أن نحيا في ذلك العصر نعاشر أهله ونصاحب حكامه ونشهد مواقعه المتلاحقة، ونحضر حفلاته الرائعة - حفلات الانتصار والاندحار - استطعنا أن نعيش في ذلك الجو الغريب نشم فيه رائحة البخور ممزوجة في الدم، ونصغي فيه إلى صوت المؤذن يطغي على أنات المحتضرين وصليل السيوف، وهي تهوى على الرقاب. أجل لقد استطاع الأستاذ خيري بأوصافه الدقيقة وخياله الواسع أن ينقلنا إلى ذلك العصر ويتركنا فيه برهة من الزمن، شعرنا أثنائها أننا رجعنا القهقري إلى القرون الوسطى، وأن الدنيا غيرها بالأمس، فلا كهرباء ولا قهوات ولا ولا. . فإذا أردنا أن ننتقل فعلى الدواب ذات السرج المفضضة والبراذع المنقوشة تخترق بنا الحارات الضيقة. نذهب بها في نزهة إلى الخليج. أو في مهمة إلى بركة الفيل حيث قصور الأمراء. أو في أمر بيع وشراء إلى ساحل بولاق، ذلك المرفأ النيلي العظيم المزدحم بخيرات البلد. . وإذا أردنا أن نعلم شيئا مما هو جار من الحوادث تسقطناه لماما من أفواه الناس. فهناك فتنة تختمر، أو مجزرة تستعر، أو حرب على الحدود تدور رحاها. وإذا أردنا أن نريح أعصابنا ورغبنا في الترويح عن أنفسنا قصدنا إلى دور أصدقائنا العلماء فنحظى بجلسة هادئة نشرب فيها القهوة الفاخرة، ونتناول العشاء السخي، ونستمع إلى مسامرتهم الجميلة أو إلى أناشيد المنشدين. . أجل لقد عشنا حقا في مصر في ذلك العهد القاسي المضطرب. رأينا الأمة منقسمة إلى طبقات لا يتعدى أهل الواحدة على الأخرى. فهناك طائفة الفلاحين تعمل طيلة العام لتمون الكُشاف والسَّناجِق (الأمراء المماليك) إذ أن الحكم حكم إقطاع. الفلاح آلة نشطة طيعة ليس لها إلا أن تعطى. ولكنها كانت في الوقت