للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب في الأسبوع]

الأزهر

الأزهر - كما يجب أن نعرفه - إن هو إلا تاريخ مصريٌّ عربي إسلامي كاملٌ متتابعٌ قد أمتدَّ على مَدْرَجةِ التاريخ ألف سنة يجدِّد فيه ويتجدَّد به، ويعيشُ عيشه هذا في التاريخ كالمدد المتلاحق الذي يستفيضُ بمادَّته لينشئ القوةَ في رُوح الجيش المرابط وأعصابه وأفكاره وأعماله المجيدة. وهذا التاريخ العجيب الذي لا يزال حياً في هذه الأرض، وهو كالتاريخ الإسلامي والعربي كله مجهولٌ متروك لم تَنفُضْ عنه الحياةُ العربية الجديدة غبار السنين المتقادمة والأجيال المتطاولة التي تعاقبت عليه بالنسيان والإهمال والهجر. وإذا نظرنا إلى الأزهر على مقتضى هذه النظرة وبسبب من هذا الرأي - علمنا أنه كهذا التاريخ الإسلامي قد تعاورته القوَّة والضعف، وحزَّت فيه سيما العلم وميسم الجهل، وتغلغل فيه النبوغ الفذُّ السامي والنبوغ الشاذُّ النازلُ: النبوغ السامي الذي أرتفع بروحانية الشعوب الإسلامية وأخرجها من سُلطان الشهوات والجهالاتِ، فمدَّت بذلك سلطانها على جزء عظيم من العالم والنُّبوغُ النازل الذي هَوىَ بروحانيةِ هذه الشعوب إلى الجَدَل والفُرقةِ والمذاهب والآراء الخاضعة لسلطان الشهوات العقلية المريضة، فقلَّصتُ ظِلَّ هذا السلطان عن هذا الجزء العظيم من العالم

والأزهر - كان - مجتَمَع القُوى المختلفة التي عملتْ في إنشاء الحضارة الإسلامية والعربيِّة التي عاشَتْ في التاريخ الماضي وملأنه بالألوان المختلفة من مميزات هذه الشعوب الإسلامية المتبانية، المتباعدة في مطارح الأرض ما بين الصين إلى الغرب الأقصى. واستمرَّ على ذلك مئات من السنين تتلوها مئات، وكذلك مهدت هذه السنين للشعب العربي المصري في هذا العصرِ - عصر النهضة الجديدة في الشرق - أن يكونَ هو قِبلةَ الأمم العربية والإسلامية. وذلك لأن روح الشعب المصري، وثقافته الموروثة في تفكيره وأخلاقه وطباعه، وحضارته القديمة التي تبرجتْ على ضفاف النيل - هذه كلُّها ليست إلا خلاصة هائلة مُصفَّاة من أرواح الشعوب الإسلامية كلها وثقافاتها وحضاراتها. وكان الأزهر هو المصدر الذي استمدَّتْ منه مصر هذا الفيض العظيم الجاري في أودية التاريخ المتقدم، لأنه هو كان الجامعة الوحيدة في هذه الديار، وكان أكبر جامعة وأعظمها

<<  <  ج:
ص:  >  >>