في سائر الديار العربية الإسلامية. وبهذه الخلاصة التي اجتمعت في الأزهر، ثم انتشرت منه في أرجاء مصر قديماً وحديثاً استعد الشعب المصري بطبيعته لأمر مقدور، هو أن يكون زعيماً للشرق في عصر النهضة الجديدة، لأن كل شعب من الشعوب العربية والإسلامية يرى في هذا الشعب صورة من نفسه مكملة بألوان أخرى من صور سائر الشعوب التي تمت إليه بسبب من الدين واللغة والحضارة والثقافة والفكر والدم
ونحن نأسف إذ نرى الناس إنما ينظرون إلى الأزهر نظرة محدودة ضيقة لا تتراحب ولا تنفذ إلى حقيقة هذا التاريخ القائم في أرض مصر. فهم يعدونه معهداً دينياً، ويكون تفسير كلمة الدين هنا - على غير الأصل الذي يعرف به معنى الدين في حقيقة الفكرة الإسلامية التي ختم الله بها النبوات والأديان على هذه الأرض. وهذا المعنى الجديد المعروف في زماننا لهذه الكلمة كلمة (الدين) ليس إسلامياً، لأنه لا يلائم روح الإسلام في شيء. . . كلا، بل هو يهدم أعظم حقيقة حية أتى بها هذا الإسلام ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وليجعل الذين آمنوا فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة، ويجعلهم الوارثين. وهذه الحقيقة الحية الجميلة هي جعل كل عمل من أعمال الإنسان المسلم في الحياة عبادة تقربه إلى الله. . . فليس البيع والشراء، أو تدبير أمور الناس في الملك، أو العلم والتعليم، أو تربية الولد، أو الخدمة التي يؤديها الرجل لمن يخدمه. . . ليست كل هذه الأشياء الاجتماعية في منزلتها من الدين الإسلامي: إلا كالصلاة والصيام والزكاة وسائر الأعمال التي يفهم بعض الناس الآن أنها هي الدين حسب. فالأزهر الإسلامي هو الذي تتمثل فيه حقيقة الإسلام - أو يجب أن تتمثل فيه هذه الحقيقة -، وتاريخه الماضي كان صورة صحيحة للحياة الاجتماعية الإسلامية بكل ألوانها وأنواعها، مع ما كان قد عرض فيها من العيوب التي أدركت الشعوب الإسلامية وجعلتها تنزل عن المرتبة الأولى التي كانت لها في تاريخ الحضارات السالفة التي سبقت الحضارة الأوربية لهذا العصر. فلما هجمت علينا الحضارة الحديثة من أوربا بعواملها المختلفة، وسياستها القوية التي تغلبت على كل سلطان في الشرق، ثم اندست العوامل الغريبة في الأمم الإسلامية، وعملت الأيدي العدوَّ عملها في تمزيق الروابط بين طبقات الشعب. . . رجع الأزهر إلى غيله يستتر فيه، وقبع أهله عن صراع الحياة الجديدة صرعاً يراد منه الظفر، وكذلك سار الناس ناحية، وسار الأزهر ناحية أخرى،