وقد أحس كثير من المصلحين من أهل الأزهر وغير أهله - ممن يعرفونه أصلاً كبيراً في الحياة المصرية والعربية والإسلامية - بما تقتضيه طبيعة الموقف الذي صار إليه في هذا العصر، وبما توجبه حقيقة الدين الإسلامي، فهبوا إلى إصلاحه والنظر في شأنه مرة بعد مرة. وكان العمل لذلك شاقاً كثير المتاعب غير قريب المنافذ، فاضطربت الأيدي واختلفت الأغراض، وسار هذا الزمن السريع بقوة واندفاع، لا يملك معه المصلح الانطلاق في آثاره على مثل سرعته واندفاعه وكذلك لم يزل الأزهر الآن في منزلة غير المنزلة التي يوجبها له قيامة ألف سنة على التاريخ الفكري والثقافي والعملي في الحضارة الإسلامية
وقد كتب الأستاذ (الزيات) - في فاتحة العدد الماضي من الرسالة - كلمته الجليلة (في سبيل الأزهر الجديد) يطالب الأزهر بالرجوع إلى المنابع الأولى للدين واللغة والأدب والعلم. وحب (الزيات) للأزهر، ورغبته في المبادرة إلى علاج الأدواء التي تلبست به من أمراض الأجيال السابقة، هي التي حملته على أن يكتب كلمته لتظفر مصر (بجامعتها الصحيحة التي تدخل المدنية الغربية في الإسلام، وتجلوا الحضارة الشرقية للغرب، وتصفي الدين والأدب من شوائب البدع والشبه والركاكة والعجمة)
نعم إن الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر لم يقصر في اجتهاده أن يجعل الأزهر مثابة للعلم الإسلامي الصحيح، ولم يتخلف عن النصيحة له بما توحي به الرغبة الصادقة في تحريره من آصار قديمة عاقته عن بلوغ غايته التي يحق له أن يبلغها. فقد وضع الأستاذ الأكبر من عشر سنين نظامه الجديد للكليات في الأزهر وجعل أحد قسمي التخصص في هذه الكليات موقوفاً على مادة من مواد الشريعة أو اللغة أو الأدب أو التفسير والحديث أو المنطق والفلسفة أو الأخلاق والتاريخ وعلم النفس وما إلى ذلك. وأمد هذه الكليَّات العالية - في دراستها لما خصصت له - بالكتب الأصول المعتمدة في بابيها ككتاب سيبويه، وخصائص ابن جني، وسر صناعة الإعراب لابن جني، وتصريف المازني، وكتاب فيلسوف النحو رضي الدين الإستراباذي صاحب شرح الشافية، وشرح الكافية، وهما عمدة أصحاب النحو والتصريف. وكذلك جُعلت كتب عبد القاهر - دلائل الإعجاز وأسرار