الذي يقرأ الجرائد المصرية يتوهم أن وزارة المعارف عبارة عن بناية فسيحة الأرجاء، يجلس فيها الموظفون هادئين وادعين يتبادلون التحيات والسجائر والشاي والزنجبيل
وإنما يكثر اللغط حول وزارة المعارف لأن موقعها بين سائر الوزارات، يشبه موقع كلية الآداب بين سائر الكليات. فوزارة المعارف تهتم بتعويد الناس على فصاحة الكلام فيكثر حولها الكلام الفصيح، بالنقد والتجريح؛ وكلية الآداب تحرص على أن تتفلسف فيكثر في نقدها المتفلسفون، ولا يظلمك من يرد إليك بعض ما تنفق!
والحق أن وزارة المعارف في هذه الأعوام لا تعرف الهدوء، فهي نار تستعر في الصباح والمساء
ومن كان في ريب من ذلك فليزر مكاتب الوكلاء والمراقبين والمفتشين، فان فعل فسيعرف أن في القاهرة مكاناً يشبه برج بابل في أساطير الأولين
يستطيع من يهمه الوقوف على مصادر الحيوية في وزارة المعارف أن يزور أي مكتب من تلك المكاتب ليوقن بأن الجد الصريح هو أساس العمل في تلك الدار الفيحاء
احضر إن شئت إلى تلك الوزارة وفي يدك قلم وقرطاس لتدون ما تسمع من الجدل حول المذاهب التعليمية، ولتدون ملاحظاتك الخاصة على مذاهب أولئك القوم في الحياة، وإني لموقن بأنك ستخرج من ذلك بمحصول نفيس
ويحسن ألا تمر على مكتب وكيل الوزارة أو مكتب الوكيل المساعد، فان الاستفادة من هذين المكتبين لا تضمن إلا لمن عرف سرعة الكهرباء في إنجاز الأعمال
ويغلب علي الظن أن الرجل الذي اسمه محمد العشماوي يملك شيئاً من مواهب الشعراء، فسرعته في تسوية المشكلات ليست إلا ضرباً من أعمال الشياطين
أما عوض إبراهيم فتظهر قدرته السحرية حين تصبح الأعمال كلها فوق كاهله حين يغيب الوكيل. وهذا الرجل من كبار الأكفاء ومن أعمدة وزارة المعارف، وإن كان يتعرض لطغيان الألسنة من حين إلى حين