وفي برج بابل هذا ناس لا يتكلمون إلا قليلاً، أمثال حسن فائق ومحمد حسين وصادق جوهر وأحمد عاصم والعجاتي ومحمد الدمرداش، ولكن في هؤلاء الرجال الصامتين خصوصية عجيبة، فهم يعتقدون أن وزارة المعارف دارهم، ولا يخطر في بالهم أنهم موظفون، وإنما يكافحون ويجاهدون وكأنهم يدبرون ملكهم الخاص، وما وقع بصري على هؤلاء الرجال إلا أحسست الغيرة تلذغ قلبي، فأنا أتمنى أن أملك بعض ما يملكون من قوة وإخلاص ويؤذيني أن يكونوا أصدق مني في خدمة الواجب
ولكن برج بابل لن يكون كله صمتاً في صمت، وهل يصمت برج بابل؟ هيهات!
هناك محمد فهيم الرجل البسام الضحوك الذي تلقاه فيقلب مشكلات التعليم كلها فوق رأسك، ويفرض عليك ألا تغادر مكتبة إلا بعد ساعة أو ساعتين. وهذا الرجل متعب جداً، لأنه ينتقل بك من موضوع إلى موضوع، ويبلبل رأسك ولسانك بلا ترفق، فمن الحزم ألا تمر عليه حين تزور وزارة المعارف
وهناك نجيب حتاته، وهو رجل لا تعرف أين يذهب. فهو يلطف حين يشاء، ويثقل حين يشاء، فان لطف - وهو الأغلب - طاف بك حول مشكلات كثيرة تمس التعليم وتمسّ المجتمع. وإن ثقل - وهذا قليل - سلم عليك بأطراف أصابعه كما يصنع مدير الجامعة المصرية
وهناك علي الجارم - جعل الله كلامي خفيفاً عليه - وهو رجل كثير المزاح، ولكن إقباله على الواجب يبهرك ويرضيك
وهناك محمد جاد المولى، وهو في مظهره ومخبره صورة صحيحة من الطيبات في أدب القول وشرف النفس
وعندنا طموم مراقب المستخدمين، ومكانه في وزارة المعارف يشبه مكان محمد الهراوي في دار الكتب المصرية، كلاهما يسأل عن الحساب، مع أن الأدب عندهما فوق الحساب
وعندنا توفيق الحكيم الذي حوسب أمام مجلس التأديب منذ أيام، وهو في رأيي (أعقل) رجل في وزارة المعارف بعد طبيب ليلي المريضة في الزمالك
ولتوفيق الحكيم قصة وقضية، وكيف لا تكون له قصة وقضية وهو صديق طه حسين؟
هذا الرجل أعلن عداوته للمرأة بضع سنين، ولم تعد عليه تلك العداوة بسوء، فظن لغفلته