ركبت الترام أمس وكان ممتلئاً بالناس، قد قعدوا على مقاعده، ووقفوا في رحباته، وتعلقوا بسلالمه، وكنت قاعداً في الدرجة الأولى، فرأيت امرأة ملتفة بملاءة على يدها ولد يظهر عليها أنها مسكينة مغلبة تريد أن تدخل علينا، فيمنعها رجل بلدي واقف بالباب، ويقول لها:(دامش مكانك، دا بريمو، مكان الخواجات) فتستكين وتقف، فدعوتها وأقعدتها في محلي، وهي حائرة لا تدري في خجلها وشكرها ماذا تقول لي، وسار الترام إلى المحطة التالية فنزل ناس وصعد ناس، وكان فيمن صعد امرأة فرنجية ضخمة كأن خديها زقان منفوخان، وكأن ثدييها عدلان على ظهر أتان. . . وأقبلت تزحم الركاب بوقاحة عجيبة حتى دخلت علينا. فلما رأت المرأة قلبت شفتها، وقلصت وجهها حتى صار كوجه قرد عجوز. . . وحملته كل ما استطاعت من إمارات الاشمئزاز والكبر، وضمت ثوبها ترفعاً أن يمس الملاءة وأشارت لها بيدها، أن: قومي. . .
فقامت. . . فلم أملك أن صرخت بها:(أقعدي) وقلت لهذه الوقحة: (ألا يكفي أنك زاحمتها على خبز بلدها، وأكلت خيره من دونها، وغنيت به وفقرت هي فيه، حتى أردت أن تقيميها وتقعدي مكانها. . .)
وكانت ثورة مني عاصفة، فلم يجب أحد، ولكن شاباً (مهذباً) استاء مني، وأراد أن يعلن احتجاجه علي، فنهض قائماً وقال (تفضلي يا مدام) وأعطاها مكانه. . .
وذهبت أزور رجلا كبيراً، اعتزل الناس في بيته بعد أن ولج أوسع أبهاء القصور، وحل في أضخم كراسي المناصب، وتشقق الحديث معه حتى بلغ الكلام عن الإخوان المسلمين فقال:(إنهم سيتسلمون الحكومة يوما ما، ولكن المشكلة، أنهم يريدون العودة إلى الحكم الإسلامي، ومصر تمدنت وارتقت حتى صارت قطعة من أوربا، فكيف يمكن أن ترجع إلى أحكام الشرع؟)
وسمعت كثيرين من رجالات العرب، يتظرفون بدس الكلمات الفرنسية أو الإنكليزية في