أحاديثهم العربية، من غير داع إليها، ولا فائدة منها، ويجدون ذلك رافعا من أقدارهم معليا من منازلهم.
ورأيت كثيرين من الشباب تجيئهم بالحكمة أو النظرية فتعزوها إلى صاحبها الشرقي المسلم، فيلوون وجوههم عنها، ولا يحفلونها، فإذا نسبتها للفيلسوف الألماني أو الأديب الإنكليزي هشوا لها وبشوا، وتلقوها بالتجلة والإكبار.
وقرأت لكثيرين من المؤلفين والباحثين فصولا في الدين أو اللغة، لا مرجع فيها إلا النقل، ولا تنقل إلا عن أئمتنا وعلمائنا، فرأيتهم يدعون المنبع ويستقون من ذيول السواقي، ويتركون مراجعنا ويعزون إلى فلان وعلان من المستشرقين.
وليس فينا من لا يرى تقليد الأوربيين مدنية، واتباعهم رقياً، ومن لا يشعر في قلبه بإجلالهم، ويتمنى أن يزور بلادهم، ويثقف ألسنتهم، ويا ليت أنا إذ أحببناهم جمعنا حبهم، ولم يفرقنا غرامهم شيعاً وأحزاباً لهم، ويا ليت أنا ارتفعنا اليوم عما وصفه جبران خليل جبران، منذ ربع قرن، حين قال:(كان العلم يأتينا من الغرب صدقة وإحساناً، فنلتهم خبز الصدقة لأننا جياع فأحيانا ذلك الخبز، فلما حيينا به أماتنا، أحيانا لأنه أيقظ بعض مداركنا، ونبه عقولنا، وأماتنا لأنه فرق كلمتنا، وأذهب وحدتنا، وقطع روابطنا حتى أصبحت بلادنا مجموعة مستعمرات صغيرة، مختلفة الأذواق، متضاربة المشارب، كل مستعمرة منها تشد في حبل إحدى الأمم الغربية، وترفع لواءها، وتترنم بمحاسنها وأمجادها. فالشاب الذي تناول لقمة من العلم في مدرسة أمريكية قد تحول إلى معتمد أمريكي، والشاب الذي ارتشف رشفة من العلم في مدرسة يسوعية صار سفيراً فرنسياً، والشاب الذي لبس قميصا من نسج مدرسة روسية أصبح ممثلا روسيا).
فإذا كنا - ولا نريد أن نماري في الحق، ولا نجادل في الواقع؛ إذا كنا نطوي قلوبنا على حبهم، ونضم جوانحنا على إكبارهم، ونرى أنفسنا صغاراً أمامهم، ونقلدهم في كل شيء ونمشي وراءهم، فماذا ينفعنا قولنا بألسنتنا إننا نكرههم ونعاديهم، ولا نقعد عن حقنا حتى نناله منهم برغمهم؟
لقد تعلمت في المدرسة الابتدائية حكاية لا أزال أذكرها إلى اليوم، هي أن رجلا كان يذبح العصافير في يوم بارد ويبكي، فقال عصفور منها لأخيه: ألا ترى إلى شفقة هذا الرجل