ورقة قلبه؟ قال: ويحك لا تنظر إلى دموعه، ولكن انظر إلى ما تصنع يداه.
فهل تظنون أن الإنكليز والفرنسيين أصغر أحلاماً من العصافير حتى يخدعوا وبخطبكم وأقوالكم، ويعموا عما تصنع أيديكم؟
إن قضية فلسطين لم يجر مثلها ولا في أيام نيرون. ولو قرأناها في أخبار الأولين، لما صدقنا أنه يسوغ في إنسانية البشر، وعقل العقلاء، أن تقول لرجل: أخرج من دارك ليأوي إليها هذا المشرد المسكين، ونم أنت في زقاق، أو اضطجع على المزبلة، أو مت حيث شئت. هذا قضاء المدنية، وهذا حكم الديمقراطية.
وإن حوادث المغرب لم يقع مثلها ولا على عهد محاكم التفتيش أن يذبح عشرات الألوف من الأبرياء، لأنهم قالوا لمن دخلوا عليهم بلدهم، واغتصب أرضهم، وأكل خبزهم: أطعمنا معك من خيرات أرضنا، وارفق بنا في عدوانك علينا. . .
فهل أحسسنا حقيقة ببغضاء الفرنسيين والإنكليز؟ ألا يزال فينا من يثني على الإنجليز في الصحف (تقريراً للحقيقة؟)، ويحتفل بدوهامل (تمجيداً للأدب؟) ويودع المجندات الإنكليزيات بالأسى (تقديراً للجمال؟)، ألا يزال فينا نواد أقيمت لتثبيت الصداقة بيننا وبين هؤلاء الذين فعلوا هذه الأفاعيل في فلسطين والمغرب؟
فكيف يجتمع الحب والبغض في قلب واحد؟
إننا في أيام لها ما بعدها، ومصائب تنسينا أواخرها أوائلها فإذا كنا جادين حقيقة في إنقاذ فلسطين والمغرب، وفي العمل لمصر وللعربية الإسلامية وكنا نريد أن نكون أمة تستحق أن تعيش، فيجب أن نتخلص أولا من استعمار الأوربيين أدمغتنا وألسنتنا وبيوتنا، وأن نحكم عقولنا فلا نقتبس منهم إلا ما نعتقد نفعه لنا، وأن نثق بأنفسنا، ونشعر بكرامتنا، وأن يفهم الحاكم منا أن لنا شرعاً أفضل من قوانينهم، فيجب أن نقتبس الأحكام من شرعنا، وأن يعلم الطالب أن لغتنا أكمل من لغاتهم، وأدبنا أسمى من آدابهم، وتاريخنا أمجد من تواريخهم، وأنها لم تخدم أمة العلم ما خدمته أمتنا، وأن يعتقد التاجر أن من الفرض عليه أن يروج البضاعة الوطنية، ويقاطع الأجنبية التي تزاحمها، وأن يؤمن الأديب بأن لهذه الأمة حقاً على قلمه، أن يدافع عنها، ويعيد إليها كرامتها، وثقتها بنفسها، ويصغر الأجنبي في عينها، وأن يفهم أخنع رجل فينا، أنه أعظم من أكبر خواجة من الخواجات، أو (مستر)