للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب العربي]

عكاظ والمربد

للأستاذ أحمد أمين

(٢)

وقد يتفاخر الرجلان من قبيلتين فيفخر كلٌ بقبيلته ومكارمها فيتحاكمان إلى حكم عكاظ كما فعل رجل من قضاعة فاقر رجلا من اليمن فتحا كما إلى ذلك الحكم.

ومن كان داعيا إلى إصلاح اجتماعي او انقلاب ديني كان يرى أن خير فرصة له سوق عكاظ، والقبائل من أنحاء الجزيرة مجتمعة، فَمَنْ قَبِلَ الدعوة كان من السهل أن يكون داعيا في قومه إذا دعا إليهم، فنرى قس بن ساعدة يقف بسوق عكاظ يدعو دعوته ويخطب فيها خطبته المشهورة على جمل له أورق فيرغِّب ويرهِّب ويحذِّر وينذر.

ولما بعث رسول الله (ص) اتجه إلى دعوة الناس بعكاظ لأنها مجمع القبائل، روى الواقدي أن رسول الله أقام ثلاث سنين من نبوته مستخفياً ثم أعلن في الرابعة فدعا عشر سنين، يوافي الموسم، يتبع الحجاج في منازلهم بعكاظ والمجنة وذي المجاز يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلِّغ رسالة ربه ولهم الجنة، فلا يجد أحداً ينصره حتى انه يسأل عن القبائل ومنازلهم قبيلة قبيلة، حتى انتهى إلى بني عامر بن صعصعة فلم يلق من أحد من الأذى ما لقي منهم، وفي خبر آخر أنه أتى كندة في منازلهم بعكاظ فلم يأت حيا من العرب كان ألين منهم، وعن علي بن أبي طالب (ع): إن رسول الله (ص) كان يخرج في الموسم فيدعو القبائل فما أحد من الناس يستجيب له نداءه ويقبل منه دعاءه، فقد كان يأتي القبائل بمجنة وعكاظ ومنى حتى يستقبل القبائل، يعود إليهم سنة بعد سنة حتى كان من القبائل من قال: أما آن لك أن تيأس منا؟ من طول ما يعرض عليهم نفسه حتى استجاب هذا الحي من الأنصار.

وروى اليعقوبي أن رسول الله (ص) قام بسوق عكاظ عليه جبة حمراء فقال: يا أيها الناس قولوا لا اله إلا الله تفلحوا وتنجحوا، ويتبعه رجل يكذبه وهو أبو لهب بن عبد المطلب. كذلك كان لعكاظ أثر كبير لغوي وأدبي، فقد رأينا قبائل العرب على اختلافها من قحطانيين وعدنانيين تنزل بها، وملك الحيرة يبعث تجارته إليها، ويأتي التجار من مصر والشام والعراق، فكان ذلك وسيلة من وسائل تفاهم القبائل وتقارب اللهجات، واختيار القبائل

<<  <  ج:
ص:  >  >>