بعضها من بعض ما ترى أنه أليق بها وأنسب لها، كما أن التجار من البلدان المتمدنة كالشام ومصر والعراق كانوا يطلعون العرب على شيء مما رأوا من أحوال تلك الأمم الإجماعية. وفوق هذا كانت عكاظ معرضا للبلاغة ومدرسة بدوية يلقى فيها الشعر والخطب وينقد ذلك كله ويهذب، قال أبو المنذر:(كانت بعكاظ منابر في الجاهلية يقوم عليها الخطيب بخطبته وفعاله وعد مآثره وأيام قومه من عام إلى عام فيما أخذت العرب أيامها وفخرها) وكانت المنابر قديمة يقول فيها حسان:
أولاء بنو ماء السماء توارثوا ... دمشق بملك كابرا بعد كابر
يؤمون ملك الشام حتى تمكنوا ... ملوكا بأرض الشام فوق المنابر
فيقف أشراف العرب يفخرون بمناقبهم ومناقب قومهم. . . فبدر بن معشر الغفاري. . . كان رجلا منيعاً مستطيلا بمنعته على من ورد عكاظ فاتخذ مجلسا بهذه السوق وقعد فيه وجعل يبرح على الناس ويقول:
نحن بنو مدركة بن خندف ... من يطعنوا في عينه لا يطرف
ومن يكون قومه يغطرف ... كأنهم لجَّة بحر مُسدَف
فيقوم رجل من هوازن فيقول:
أنا أبن همدان ذوي التغطرف ... بحر بحور زاخر لم ينزف
نحن ضربنا ركبة المخندف ... إذ مدَّها في أشهر المعرف
وعمر بن كلثوم يقوم خطيبا بسوق عكاظ وينشد قصيدته المشهورة:
ألا هي بصحنك فاصبحينا
والأعشى يوافي سوق عكاظ كل سنة، ويأتي مرة فإذا هو بسرحة قد اجتمع الناس عليها فينشدهم الأعشى في مدح المحلق والنابغة الذبياني تضرب له قبة أدم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء فيدخل إليه حسّان بن ثابت وعنده الأعشى والخنساء فينشدونه جميعا ويفاضل بينهم وينقد فيما زعموا قول حسان:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى
فيقول لحسان قلْلَت العدد ولو قلت الجفان لكان أكثر. وقالت يلمعن بالضحى ولو قلت يبرقن بالدجى لكان أبلغ في المديح لأن الضيف بالليل أكثر طروقاً.