الخمر قديمة كالإنسان، خلقها من خلق الهم، وأبدعها من أبدع الحس، وأرادها أن تبقى على الدهور والأحقاب من أراد ألا يكون الكون خيراً كله ولا شراً كله.
الخمر لا وطن لها لأن الأرض وطنها، عرفها المصري والفينيقي، والإغريقي والروماني، ويعرفها التركي والألماني، والفرنسي والأمريكي، والخمر لا دين لها فقد اعتنقت جميع الأديان؛ عصرها كهان المجوس، وباركها أحبار اليهود، واتخذها يسوع رمزاً لدمه فعتقها من بعده القسيسون والرهبان، وحرمها الإسلام فاستحلها الخلفاء لما صارت الخلافة ملكا عضوضا. لم يحل لهم أنس إلا بها ولم يطب نغم إلا عليها ولا لذ غزل الا في دبيبها ونشوتها.
والخمر لا مدنية لها فقد عرفتها كل المدنيات، عرفتها أبان إشراقها ونشأتها وازدادت بها علما وهي في كبد سمائها وأوج صولتها، ثم غربت على الأكثر فيها كما تغرب الشمس في لجة البحر المحيط. كذلك شربها المدني في كؤوس من ذهب بين عمد المرمر وعلى رنين القيثار، وشربها الوحشي حيث لا كأس غير صحاف القرع ولا عمد غير غاب الغيل، ولا رنين غير زمر القصب وقرع الطبول.
وجاءت المدينة الحاضرة بعلمها وعددها، وبطبها وإحصائها وبتجاريبها في الأفراد وتجاريبها في الجماهير، وخرجت على أن لعنة الناس في الخمر وخسرهم في ذوب الرحيق. وتكونت في كل أمة أمة تدعو إلى السبيل الجديدة وتبشر بالرسالة الجديدة باسم العلم وباسم الاقتصاد في قوى العمال لزيادة الإنتاج. وزادت الدعاية حتى أن أمة من اكبر الأمم عددا أكثرها عدة وأحدثها حضارة صوت ناخبوها بتحريم الخمر، فصدر القانون بطلاق بنت الحان، فأغلقت المخامر أهدرت الدنان، وحاطوا أمريكا بسياج ثقيل من عسس يمنع الداء أن يدخل، والداء بالجسم دفين، والجسم قد يعتل من جرثومة تغزوه ولكن اكثر