يلاحظ في مصر أن القليل من المال يكفي لإعالة ذرية كثيرة وأسرة كبيرة. ومهما يكن تدليل الأطفال والولوع بهم عظيما، فهؤلاء يكنون ويظهرون لأبويهم احتراماً عميقاً خليقاً بالمدح. ويعتبر المسلمون العقوق من أعظم الخطايا. وهم يضعونه لجسامته مع الكبائر الست الأخرى، وهي الشرك بالله وقتل النفس وقذف العفيفات بالزنا وأكل أموال اليتامى والربا الفاحش والتخلف عن جهاد العدو. وقلما ترى في مصر أو في العرب من لا يطيع والديه. ويصطبح الطفل، في الطبقات الوسطى والعليا، بتقبيل يد أبيه، ثم يقف أمامه باحترام وخشوع حتى يصدر إليه أمراً أو يسمح له بالانصراف. ولكن العادة جرت أن يقبل الأب ابنه ويلاطفه. ولا يقل احترام الطفل لأمه عنه لأبيه، وكذلك احترام أفراد العائلة الآخرين بمقتضى سنهم وقرابتهم ومركزهم. ومن هنا تنشأ في الطفل السهولة واللباقة في تصرفاته خارج الحريم، كما تنشأ فيه الطاعة والولاء اللذان كثيراً ما يعدان، من غير حق، نتيجة الحكم الاستبدادي في الشرق. ويندر أن يجلس الأبناء أو يأكلوا أو يدخنوا في حضرة الأب إلا إذا سمح لهم بذلك. وكثيراً ما يقومون أيضاً على خدمته وخدمة ضيوفه عند تناول الطعام وفي المناسبات الأخرى. ويظل الأبناء كذلك حتى بعد أن يصبحوا رجالاً. وقد دعيت مرة في شهر رمضان إلى الإفطار على مائدة تاجر مصري أعدّت أمام داره. وكان يدعو كل شخص يمر بالقرب منا، مهما كان فقيراً، إلى مشاركتنا الطعام. ومع ذلك كان يقوم على خدمتنا اثنان من أولاده أكبرهما يبلغ الأربعين. وقد لاحظت أنهما لم يتناولا بالرغم من صيامهما طول اليوم غير جرعة ماء؛ فرجوت الأب أن يسمح لهما بالإفطار