للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

زال الرأي فيها حراً؛ ولم يعد هناك أيضاً من شكوى ترفع أمام قضاء الشعب من نظام حكومته الاستبدادية

والأمر على النقيض من ذلك في الأمم الحرة؛ إذ بوسع صحافة الحكومات الاستبدادية ووكالاتها الأخرى الخاصة بالدعاية والنشر - بل وكثيراً ما وسعها كما أيدتها التجارب - أن تتقدم بشكواها إلى الرأي العام في الأمم الحرة، وأن تكون هذه الشكوى أحياناً ضد نظام ومصالح هذه الأمم الحرة؛ إلا أن هذه المعاملة الكريمة لا يسمع لها صدى في الأمم المحكومة حكماً استبداديّاً، حيث لا تكافؤ في المعاملة ولا تعادل بين ما يعطى وما يؤخذ، ولا ترقب للإقناع والقبول بالدليل القاطع أو البرهان الدافع ما دامت الحكومة وحدها في الأمم الاستبدادية هي صاحبة الكلمة العليا والقضاء المبرم، وما دام الشعب قد قدر له أن يجهل كل شيء من شأنه أن يهيئه لأن يتأبى على الزعيم قبول سياسته - والواقع أن الفاشية في إيطاليا والشيوعية في روسيا السوفياتية، بل وحتى القيصرية في روسيا القيصرية، كل أولئك يعتبر موطناً للحرية إذا ما قورن بالنازية في ألمانيا. فلم تكن الرقابة التي فرضها قيصر الروس على الصحافة، ولم تكن الرقابة التي بسطتها عليها (البيروقراطية) الباطشة القوية، أو الإدارة السرية، لتبلغ من التوفيق والنجاح ما بلغته النازية من إسكات ستة الصحف الكبرى، وهذا النظام الاستبدادي الذي يفرض على الشعب بأسره ما تبدعه الدولة وتصبو إليه من النظر والرأي يعتبر حدثاً جديداً وأمراً ثورياً وطابعاً مشئوماً وقالباً معكوساً في العالم الجديد

(للكلام بقية)

زين العابدين جمعة

المحامي

<<  <  ج:
ص:  >  >>