جلس الشاعر (شهاب الدين) في إحدى الليالي القريبة يقص على اصدقائه تفاصيل حادثة (المشالي) وأسرارها، فقال:
يا لها من حادثة! كانت خافية مستورة، فأصبحت بلعاء مشهورة، وكانت فردية شخصية، فأضحت مسألة اجتماعية. . .! حادثة أتحد على وقوعها، عقلة ضاربة، وحب جارف، وخيانة دنيئة، وغيره قاتلة. وخوف مستقر، وصداقة عمياء. . ولم يستطع العلم - أو قل العلماء - أن يشخصوا لعلاجها دواء شافيا، حتى تقدمت القوة، فحسمت داءها وعجلت شفاءها. . . حادثة يتضح منها ان جلالا وكبرياء قد يستخذيان حينا، ويخور عزمها حينما ينكشف ما يدخران في أطوائهما من سيئ الأخلاق وأن الرذيلة إذا تحكمت في النفوس فلن يجتث جذورها حرمه علم أو رفعه منزلة. . .
تلك هي حادثة (المشالي) التي ارتج لها ضمير السلطان الغوري، واضطرب لها علماء الدولة، وسخرت منها القوة، وعزل بسببها قضاة الشرع الأربعة، وحرمت البلاد قضاءها فعطلت الحكام بضعة أيام.
تعلمون أنه منذ عهد الملك الظاهر بيبرس، رسم بأن يكون للبلاد أربعة قضاة شرعيين، لكل مذهب قاض، وهو يعين من قبله قضاة ينوبون عنه في الحكم. وكان (نور الدين على المشالي) أحد نواب الشافعية - وكان يسكن إحدى نواحي القاهرة. وله صديق من نواب الحنفية يدعى (غرس الدين خليلا) جمعت بينهما جامعة العلم، وربطت قلبيهما رابطة الزمالة. وعقدت بينهما أواصر الصداقة.
كانا يتزاوران بغير ريبة. ويتسامران في جو من الثقة والطمأنينة. . وفي هذا الجو وقعت الحادثة: