كان لغرس الدين زوجة حسناء فاتنة. معتزة بمالها من جمال ومحاسن، مدلة بمالها من رقة ومفاتن. . وكانت حينما تغادر منزلها تتبرج وتزدان، وتبالغ في التطرية، فتلفت بذلك النظار وتسترعي العيون وتثير الرغبات فتمشي وتخلف في كل قلب لوعة، وفي كل فؤاد جذوة.
وكان أشد الناس ولها بها والتفاتا غليها ومراقبة لها واجتراء عليها، شاب يدعى (شميسا) وهو ابن أخت القاضي نور الدين الدمياطي. وكان (شميس) قاطنا على مقربة من دارها، فكان يرقب أحوالها ويتفقد أعمالها بدافع من حبه لها ورغبته فيها وغيرته عليها، فعرض لها مرارا، وتودد إليها تكرارا، فتأبت عليه، وصعرت له خدها، ومشت في طريقها من دونه مرحا. والدال ملء إهابها، والزهو في جلبابها. . .
والتهبت نفس (شميس) حنقا عليها، وثارت سعيا في سبيل الانتقام منها. وأيقن بغريزته أن امرأة لعوبا على غرارها، لا تصفو لزوجها، وبخاصة لأن زوجها فيه طيبة قلب يأباها الرجل اليقظ. . . ولابد أن يكون وراء الأكمة ما وراءها. ولابد أن يكون لها خليل ملك عليها قلبها وأسر لبها واختصته بصادق حبها.
ورأى أن (المشالي) أكثر الزوار ورودا إلى دارها، وأنه حينما يفد إلى الدار تتبدى بها حركة غير عادية. كأنما هو ضيف لا كالضيوف، وزائر لا كالزوار. . فوقع في نفس (شميس) أنه لابد من وجود صلة لا تطيب لها النفس الكريمة، ولا تطمئن إليها الضمائر الحية. فشدد عليها في الرقابة حتى صدق حدسه، وحانت له فيهما فرصة. .
وفي يوم صفت جواؤه وتكشف سماؤه، عنت (لغرس الدين خليل) زوج هذه الحسناء، حاجة، اضطر في سبيلها إلى أن يخرج من القاهرة إلى جهة الإمام الليث - رضى الله عنه - فامتطى دابة وأخبر امرأته أنه سيقضي ليلته هناك. ويبدو أن شميسا قد علم بخروج غرس الدين وبالناحية التي خرج إليها. فأثارته الغيرة إلى أن يقعد للعاشقين بالمرصاد.
أرسلت الحسناء خلف عشيقها فأسرع إلى اللقاء، ومعه ما لذ وطاب من طعام وشراب. وجاء وفي حركته توجس وفي وجههه خيفة، وفي تلفته ريب، ويكاد يقول: خذوني. . . وأندفع إلى الدار وغلق من خلفه أبوابها. .
اعتلى شميس من فوره، راحلة عجل بها إلى مكان الزوج، واعلمه الخبر، فصعق وامتقع