أشار الأستاذ الجليل الدكتور زكي مبارك في مقاله عن: أخطار الطعام الواحد؛ إلى وصية الرسول عليه الصلوات بالزواج من غير القريبات
وهذا الحديث المشهور:(لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويا) قد أصبح - رغم الشك في صحة نسبته إلى الرسول - منبع حقيقة اعترف بها القدماء جميعاً وسجلوها في غير موضع من مؤلفاتهم؛ ثم جاءت علوم الأحياء الحديثة ودراسة طبائع أجسام الحيوان والنبات، مؤيدة لصحتها تمام التأييد
وقد عقد الغزالي في باب النكاح من كتابه (إحياء علوم الدين) فصلاً تحت عنوان: الخصال المطيبة للعيش التي لا بد من مراعاتها في المرأة. . . فجعل ثامنة هذه الخصال ونهايتها: ألا تكون من القرابة القريبة؛ وأورد الحديث الذي ذكرناه، ثم علل لذلك بضعف الشهوة بين المتقاربين. . .
وقد أورد الدكتور في مقاله مثل هذا التعليل؛ ثم زاد على ضعف النسل بسببه جسمياً، آفة أخرى نفسية فقال: إن الاكتفاء بالقريبات يضيع فرصة الموارد الجديدة من الطبائع والأذواق. . .
ونقول أننا مع اعترافنا بالعلاقة الوثيقة القائمة بين الأجسام - في قوتها وضعفها - والطبائع والأذواق - في رقيها وانحطاطها - نحب أن نسجل حقيقة استرعت نظرنا أثناء مطالعتنا المختلفة حول هذا الموضوع
فقد أشار الدميري صاحب حياة الحيوان عند حديثه عن (البغل) إلى تركبه من الفرس والحمار؛ ثم قال: لذلك صار له صلابة الحمار وعظم آلات الخيل. . . وهذا يؤيد الحقيقة التي ألمعنا إليها. ولكنه عاد فوصف هذا الحيوان برداءة الأخلاق والتلون (لأجل التركيب)، ثم قال: وشر الطباع ما تجاذبته الأعراق المتضادة، والأخلاق المتباينة، والعناصر المتباعدة. . . وذكر في موضع آخر أن (أكثر الحيوانات المركبة من نوعين من الحيوان أخبث طبعاً من أصولها التي تتولد منها وأشد شراسة، كالسمع والعسبار ونحوهما) - وكلاهما يتولد بين الضبع والذئب -