آه، إن في الإنسان دوافع ترابية إن سيطرت عليه نزلت به عن معاني الإنسانية!
قال لي صاحبي: وانفلتّ من لدن أخي بعد أن سخر من ضعفي وسلبني مالي. . . انفلت من لدنه وفي يدي جنيهات، وفي قلبي لوعة، وفي عيني عبرة، وأحسست بقلبي يحتدم غيظاً وكمداً، وشعرت بفؤادي ينشق أسى وألماً.
ولبسني الشيطان، وسيطر عليَّ الأرق، وتناهبتني الهموم، فقضيت ليلتي أتقلب في أتراحي وشجوني والشيطان إلى جانبي ما يبرح ينفث فيَّ سموماً شيطانية ويسوِّل لي أمراً، وأنا ألقي السمع إلى كلماته، أطمئن إلى حديثه حيناً، وأفزع عنه حيناً، وبين يديَّ جنيهاتي أقلبها ذات الشمال وذات اليمين وفي قلبي قلق واضطراب، وفي رأسي خواطر سود ما تنقشع. . . ولكن أخي هو أخي، ضمني وإياه تاريخ سنوات عجاف، ولطالما استشعرت منه العطف والحنان والتضحية.
وقال لي الشيطان: لقد غالك أخوك وأنت في مرضك تهفو إلى شفقته وترنو إلى رحمته، غالك لتصبح فقيراً ترى أبناءك يحسون لذع الفاقة ومرارة العوز وقسوة الحرمان على حين يرفل أبناؤه في السعة ويتقلبون في النعيم.
لا عجب، فهو رجل ترابي العقل، أرضي العاطفة، نشر حواليك شباك الجشع - على حين غفلة منك - ليستلبك من مالك، وأنت في سقامك لا تستطيع أن تذود عن نفسك بعض طمعه ولا أن تناقشه الرأي، فاستسلمت - على الرغم منك - في فتور وضعف. لقد عبث بالأوراق في خسة، ورتب الحساب على نسق أراده هو ليبلغ غاية يتلظى الشره في ثناياها منذ أن شطر الدار شطرين، وأرهقك بالدين عن عمد منه، ثم صدمك بفكرة بيع الدكان ليرغمك على أن تنزل له عن حصتك بثمن بخس. تلك أمور سوَّنها إرادة طينية تغلغلت في نفسه ليستولي على مالك في غير حق. فأنت عاجز الهمة، فاتر المروءة، إن لم تدفع ما أصابك من ظلم وطغيان. ستراه - بعد أيام - يرفل - هو وصغاره - في الحرير والدمقس ويستمتع بأطايب الطعام ولذيذ المأكل، على حين لا تجد أنت إلا صبابة من مال لا تغني