للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من عرى ولا تسمن من جوع. فلا تقعد عن أن تغمد هذا الخنجر في صدره، أو تصوب فوهة ذاك المسدس إلى قلبه. تسلل إليه في سكون الليل، تحت ستر الظلام، ثم استل روحه من بين جنبيه وارتد إلى فراشك هادئ البال، ساكن الجأش، فتكون قد انتقمت لكرامتك ومالك. وإلا فأنت عاجز الهمة فاتر المروءة.

وظل الشيطان يوقع لحن شيطانيته على أوتار أذني في دربة ولباقة، حتى أوشكت أن ألقي إليه السَّلم فأتردى في الهاوية، وظللت أنا أضطرب في مضلات لا أهتدي ولا يغمض لي جفن، فما سكنت جائشة نفسي إلا حين سمعت صوت المؤذن ينادي في الفجر: (الله أكبر، الله أكبر). . . فاستيقظت الروحانية في قلبي، وقمت في تراخ وكسل أدس جنيهاتي في درج مكتبي، ثم انطلقت صوب المسجد عسى أن أجد هناك راحة النفس وهدوء الضمير، أو أن أنفض عني الخواطر الشيطانية وهي ما زالت تتدفق في قلبي منذ الغسق. وهناك - في المسجد - أحسست السكينة والأمن حين ألقيت عن كاهلي متاعبي وشجوني. وكنت كلما سمعت (الله أكبر) شعرت بروح المسجد تغمر قلبي نوراً وهدوءاً، وتملأ جوانحي ثقة وإيماناً، وتنفث في روحي الحياة والنشاط. وللمسجد في قلب المؤمن معان سماوية تسمو به عن النوازع الأرضية الوضيعة، وترتفع به عن شواغل المادة الحقيرة. وسكنت إلى المسجد فجلست في ناحية منه استلهم وحيه السماوي وأجتلي نوره الفياض، فما أفقت إلى حين ملأ نور الصبح صحن الجامع.

ورجعت إلى داري يهدني الجهد والإعياء مما قاسيت في ليلتي وأنا مؤرق الجفن، مضطرب البال، مشتت الذهن، فبدا عليَّ الشحوب والذبول. ورأت زوجي عذاب نفسي مسطوراً على جبيني فنظرت إليَّ في ذهول وشفقة، ثم انعقد لسانها فما استطاعت أن تحدثني بأمر ولا أن تشير برأي، وخشيت أن تقول كلاماً ينكأ جرحي ويدمي قلبي ويركسني إلى العلة التي برئت منها منذ أيام، فأمسكت بالرغم منها.

وقضيت يومي أضطرب في أنحاء القرية لا أستقر، أريد أن أفر من خواطري، وأن أهرب من أخيلتي، فلا أستطيع إلى ذلك سبيلا، وظلت هي تلاحقني وتتشبث بي حتى رجعت إلى داري عند الأصيل. وألفيت زوجي تختلج اختلاج مكروب أرمضه الأسى، وفي عينيها أثر البكاء والضنى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>