لم يتجاوز التفاوت بينهما في السن غير عامين، ولكنه في الجمال وحسن الخلق كان جد عظيم. لازم النحس (عصمت) منذ رأت النور، فقد ولدت وأمها تكاد تفقد الحياة من معاناة مرض خطير، بله آلام الوضع، ولم يكن للأسرة هم إلا إنقاذ الأم من براثن الموت، ومحاولة إصلاح ما أفسده مرض ذات الجنب من جسمها الرطيب، فلم يرحب أحد بالقادمة الجديدة، أو يفكر في أمرها حتى الأم - وا أسفاه - كأنها في هذه اللحظة قد فقدت غريزة الأمومة، فلم تنظر إليها حينما تلقفتها يد القابلة إلا كما تنظر إلى خرقة بالية!
ولم يكن حظها من عناية أبيها بأوفر منه عند أمها، فكثيراً ما كان يراها وهي ملقاة على الأرض تشارك الكلب في مزجره، وفي يدها هنة تشبه قطعة الخبز دون أن تتحرك في قلبه عاطفة الأبوة نحو التي أتى بها إلى الحياة على كره منها؛ وهكذا سرت العدوى إلى سائر أفراد الأسرة وكأنها وترتهم جميعاً قبل أن تأتي إلى هذا العالم، فلما واتتهم الفرصة ثأروا لأنفسهم بإهمالها والحط من شأنها، ولولا وشيجة الإنسانية لقضت هذه التعسة جوعاً فأراحت واستراحت
اسندوا أمر العناية بها إلى ظئر حامل كسول، فلم تعطها من الرعاية إلا المقدار الذي يسمح لها بالحياة، فشبت إلى أسفل، وكأنها كانت تسير في نموها نحو مركز الأرض!
شاء القدر أن يصور للناس صورة ناطقة للقبح الجسماني، وينصب تمثالاً حياً للتنافر الجسدي، فكانت (عصمت) كما أراد: عينان غائرتان لا يكاد يبدو منهما نور الحياة، وخدان شاحبان بل عظمان عاريان إلا من ذلك الجلد الحائل، بينهما نتوء يشبه الأنف، تحته شفتان ضل سبيله إليهما الدم!! يضم كل هذا وجه أشبه بوجوه الموتى، إن فقد معالم الحسن فلم يفقد معاني الرحمة والرثاء، ينوء بذلك جذع ناحل وأطراف هزيلة
وهنا يجدر أن نسأل أنفسنا: أيكون القبح عقبة في سبيل حب الوالدين لفلذة كبديهما؟؟!. . .