هذا ما لا نستطيع الجواب عنه، ولكن الذي نعلمه أن عاطفتهما نحو (عصمت) كانت أشبه بالرحمة منها بالحب، وحسبنا مصداقاً لهذا محاولتهما البعد عنها تحت تأثير غريب كان يستولي عليهما كلما لمحاها
استردت الأم صحتها بعد جهاد عنيف، ودبت العافية في جسمها دبيب الراح في جسم شاربها، فشبا خداها، وبرقت عيناها، وغمرت الهناءة وجهها، وجرى ماء الحياة في جميع أطرافها، وبينما هي على وشك الظفر بالنصر الحاسم على عقابيل المرض المنهزم؛ إذا هي تحس حركة في أحشائها تؤذنها بزائر جديد، فاستخفها السرور، وحملت البشرى إلى زوجها باسمة، ثم ذاع المخبرين أفراد الأسرة، فعمهم البشر كأنه يولد في هذا المنزل لأول مرة، وكأن (عصمت) المنكودة الحظ لم تكن في الحسبان!
أخذوا في أعداد العدة لاستقبال هذا الوليد، وطفقت الوالدة تهيئ الأقمطة الناعمة، والأقمشة الفاخرة، وذهب الوالد يبحث في الأسواق عن أحسن مهد وأثمن هدية، وكان شغله الشاغل في شهور الحمل البحث عن كل ما يسعد الوالدة والمولود
وبينما (عصمت) تعبث في غرفة الخدم، تحبو كأنها الحشرة لا يعبأ بها أحد، ولا يعيرها التفاته إنسان، والجميع في شغل شاغل - فقد جاء الأم المخاض - إذا القابلة تقول: كأنها قطعة من نور. .! يا أم ابنتي هلا نظرت إليها.؟ وكان هذا إيذانا منها بانتهاء الأمر. . . لم تصدق الأم بادئ بدء، وسألتها جازعة: تشبه من يا ترى؟ وكأنها تخاف أن ينكبها القدر مرتين، ولما يزل شبح (عصمت) يتراء لها. إجابتها بلهجة الظافر. تشبه من.!؟ لمن يحتمل أن تشبه سوى أمها وأبيها. .!؟ وشاع البشر في وجه الأم حينما وجدت مصداق قولها في وجه ابنتها الجميل التكوين
علم أهل الحي فجاءوا مهنئين، وحفلت الدار بهم، فصارت الأم بما ملكها من الزهو بوليدتها الجميلة تكشف لهم عن وجهها، وهم يرتلون آيات الإعجاب بها ويكررون كلمات التهنئة، وأخذوا يتخيرون اسماً لطفلتهم، وأي اسم يؤدي كل هذه المعاني التي تنم عنها ملامحها من الحسن الرائع؟ إن كل ما نذكر من الأسماء غير واف بتلك المعاني. فليبحث أبوها إذن في المعاجم، وليسأل الغادي والرائح عله يظفر بضالته التي ينشدها. . . بعد جهد، خطر له اسم لبطلة قرأ عنها في إحدى القصص، فأطلق عليها (لمعان)