تعاقبت الأيام، وشبت (عصمت) فبدأت ترقب طفولة أختها المرحة المترعرعة، وترى من إعزازها وإعجاب الأسرة بها ما لم تظفر في يوم من الأيام ببعضه فتعجب، ولكن سرعان ما تهديها غريزتها إلى أن بها نقصاً، فيعتريها شعور مهم غامض؛ أهذا هو السر في إنها ليست محبوبة، وأنها أدنى منزلة من تلك التي تتبوأ ذراعي أمها مفترة الثغر باسمة الملامح؟ كانت (عصمت) مرهفة الحس إلى حد بعيد، وكأنما عوضها الله سبحانه ما نقص من خلقها بكمال حسها ودقته - ويا ويل من دق حسه وقصرت يده عما يريد. .!
كانت ترى الفارق كبيراً في معاملة أبويها لهما فيعتريها من الألم والحسرة ما دونه وخز الإبر ووقع السهام، ينظر الوالد إلى أختها التي لا تفارق ذراعي أمها فيشع من عينيه السرور، حتى إذا وقع بصره على (عصمت) أطلت الشفقة من وجهه، وكأنها تسخر من هذا من هذا المخلوق العجيب، وربما تصدق عليها بقبلة تدرك معناها فتشعر برعدة المحموم من فتورها وبرودتها، وقد يخيل إليها إن الثلج طفق يذوب من موضعها، فتذوب حسرة وألماً، وتجر جسمها الهزيل جراً وتنزوي في ركن قصي، ويعوزها البكاء فلا تجرؤ عليه؛ وقد تحاول التمرد على أخذها بجناية لا يد لها فيها فيقعدها العجز عن السير في هذه السبيل
بقيت (عصمت) تعاني من أمرها ما تعاني، و (لمعان) تتفتح كزهرة الربيع، ترعاها عناية الأب ويكفلها حنان الأم وعطف الأسرة. . . أكسبها كل هذا نضارة فوق نضارتها، ونشاطاً فوق ما طبعت عليه من الخفة والمرح ودوام الابتسام، ولا عجب، فهذا شأن كل من اطمأن على أنه استوى على عرش القلوب وتملك ناصية الأفئدة
أقبل العيد، وأشترى الوالد لكل من ابنتيه ثوباً من المخمل القرمزي الجميل، فكان لهذا - في أول وهلة - من الأثر الطيب في نفس الأختين ما سرهما، ولكن شد ما اختلف شعورهما بعد ذلك! رأت (عصمت) أختها وهي تختال في ثوبها الجديد، وقد افاضت عليه من حسنها ما ضاعف بهاءه ورونقه، ثم تأملت نفسها فكادت تصعق. . . . . أنهما من نوع واحد! ولون واحد! ومن صنع يد واحدة! فما بال أحدهما يصعد إلى قمة الحسن، وينزل الآخر إلى أحط دركات القبح!؟ هل شارك الجماد أبويها في إذلالها والزراية بها؟ هل يميز الثوب بين الوسامة والدمامة حتى يصدمها هذه الصدمة الأليمة. . .!!؟