من المهم في عصرنا أن ندرس واقعة قتل بني قريظة درساً قضائياً، ليعلم الناس أن ما ارتكبه بنو قريظة يدخل في باب الخيانة العظمى للوطن، ويندرج في أشد أنواعها جناية، وأعظمها جرماً، وأن ما قضى به الإسلام من القتل في ذلك هو ما تقضي به شرائع العالم كلها. لا فرق في ذلك بين الشرائع القديمة والحديثة، ولا بين الشرائع السماوية والوضعية، وأن هذا الحكم هو حكم الإسلام في كل من يرتكب هذه الجناية، لا فرق في ذلك بين مسلم ويهودي ونصراني.
كان أهل المدينة ينقسمون قبل الإسلام إلى قسمين: أولهما من العرب اليمانية الذين هاجروا من اليمن بعد حادثة سيل العرم، وهم الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء، وثانيهما من اليهود، وكانوا ثلاثة بطون: بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة. وقد لبث الأوس والخزرج مع اليهود حيناً من الدهر يحيون الأرض الموات أو يزرعونها وهم في عسر شديد، وكان اليهود أرباب الأموال، فحدث نزاع وشجار بينهم وبين الأوس والخزرج، وقد انتهى ذلك بتغلب الأوس والخزرج على اليهود. ثم حدثت حروب بين الأوس والخزرج حالف فيها بنو النضير وبنو قريظة الأوس، وحالف بنو قينقاع الخزرج، ولم يكن اليهود فيما بينهم بأقل ظلماً وبغياً من العرب، بل كان بنو النضير يتعززون على بني قريظة مع أنهم كانوا في حلف واحد، فلم يكن بنو قريظة يساوون بني النضير في الحكم، ومن ذلك أن دية القتيل من بني قريظة كانت نصف دية القتيل من بني النضير، فكانت الدية من وسوق التمر لبني النضير أربعين ومائة وسق، وكانت لبني قريظة سبعين وسقاً.
فلما دخل الإسلام المدينة قضى على تلك الحروب والفروق، وسوى في حكمه بين أبناء ذلك الوطن، ولم يجعل فرقاً في حكمه بين المسلمين واليهود، ولا بين بطون اليهود الثلاثة، وقد شكا بنو قريظة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما كان بينهم وبين بني النضير من الدماء قبل الإسلام، فأنصفهم منهم، وحكم بأن دم القرظي وفاء من دم النضيري، فكان بنو