أحاول أن أتحفظ في الثناء على هذه القصة، فتغلبني حماسة قاهر لها، وفرح جارف بها!. . . هذا هو الحق، أطالع به القارئ من أول سطر، لأستعين بكشفه على رد جماح هذه الحماسة، والعودة إلى هدوء الناقد واتزانه!!
ولهذه الحماسة قصة لا بأس من إشراك القارئ فيها:
لقد ظللت سنوات وسنوات أقرأ ذلك التاريخ الميت الذي نتعلمه في المدارس عن مصر في جميع عصورها، والذي لا يعلمنا مرة واحدة أن مصر هذه هي الوطن الحي الذي يعاطفنا ونعاطفه، ويحيا في نفوسنا وأخلادنا بحوادثه وأشخاصه
وظللت أستمع إلى تلك الأناشيد الوطنية الجوفاء، التي لا تثير في نفوسنا إلا حماسة سطحية كاذبة، لأنها لا تنبع من صلة حقيقية بين مصر وبيننا؛ وإن هي إلا عبارات صاخبة؛ تخفي ما فيها من تزوير بالصخب والضجيج
ولم أجد - إلا مرة واحدة - كتاباً عن مصر القديمة يبعثها حية في نفوسنا، شاخصة في أذهاننا. ذلك هو كتاب المرحوم (عبد القادر حمزة): (على هامش التاريخ المصري القديم) ففرحت به مثلما أفرح اليوم بقصة كفاح طيبة، ودعوت وزارة المعارف إلى أن تجعله في يد كل تلميذ وطالب، بدل هذه الكتب الميتة التي في أيديهم. ولكن تغيير الكتب في وزارة المعارف أمر عسير، لأن مصنفيها هم مقرروها في أغلب الأحايين
وكنت أرى الطابع القومي واضحا - بجانب الطابع الإنساني - في آداب كل أمة، ولاسيما في الشعر والقصة - بينما أرى الطابع المصري باهتاً متوارياً في أعمالنا الفنية، مع بلوغها درجة عالية تسلك بعضها بين أرقى الآداب العالمية
وكنت أعزو هذا اللون الباهت، إلى أن مصر القديمة لا تعيش في نفوسنا، ولا تحيا في تصوراتنا. إلى أننا منقطعون عن هذا الماضي العظيم لا نعرفه إلا ألفاظا جوفاء، ولا نتمثله