للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[العيد!]

للسيدة الفاضلة منيبة الكيلاني

تمر أيام العام مسرعات والناس في شؤونهم الخاصة من زحمة العيش وتلمس الرخاء، والضيق والرغبة في الفرج، والسقام وأمل الشفاء، ويأتي العيد فيكون بين المعيد ووسادته ليلة العيد حديث ونجوى؛ فبين معيد ووسادته من ثورات النفس ودوار الرأس وجهد الخاطر الكليل ما بين معيد ووسادته من بسمة الأمل وهشة الرجاء وتطلق الوجه. ولقد تنحبس العبرة طول العام من نكبة نازلة فلا ترسل إلا في مقدم العيد مطلقة غير مقيدة، فتأخذ في العيد روعة وشكلاً ليسا من شأنها ولا من شأن الأيام الأخرى. وهكذا تصبح جهشة العيد جهشة مزلزلة، وتغدو دموع العيد جد حرار. ولقد تبقى البسمة خامدة كابية طوال العام أيضاً لا ترى ما يرسلها مجلوة مشرقة حتى يأتي العيد، فإذا البسمة تاج على الثغر - كالجديد من الأكسية - تتحدث للوسادة عن النصر الذي أُحرز، والعمل الذي أُنجز

هذه بسمة العيد ليست من ابتسامات العام، وهذه جهشة العيد ليست من دموع الحول، إنما هي في الحالتين محصّل ما في العام كله من شدة ورخاء، وعذاب وهناء، وعزة وشقاء، تجتمع في العيد كما تجتمع أضغاث المنى على الثغر الحالم، وأضغاث المال في ثوب جديد وكساء جديد، كذلك مشاعر النفس وأضغاث خويصاتها تتجمع لتبرز في العيد في فرح جديد وحزن جديد.

وضجعة الإنسان ليلة العيد وسهوم فكره، واتساع مخيلته وشرود ذهنه، تتسع وتقصر، وتكبر وتضيق، بمقدار ما توافر لديه من أسباب وعلل تجتمع كلها في حقيقتين أساسيتين فيهما جواب هذا التسآل الذي يدور على الخاطر ويلم بالنفس: وهو لماذا تتطرى نفس وتبتهج للعيد، وتأسى نفس وتضيق له، وتذرف فيه الدمع ويحلو لها الصمت والأشجان؟

تتسع مادة الحوار بين المرء ووسادته ليلة العيد بسعة الجواب على هذا السؤال. والواقع أنه سؤال في منتهى الوجاهة وخفة الظل: لماذا تأسى نفس وتفرح نفس وليس بين النفسين إلا قربى وأوجه شبه. . . هذه نفس تذرف الدموع، وهذه نفس توزع الابتسام؟

العيد يفرض على المعيدين مشاعر خاصة هي التي تعلل هذه الظاهرة. . . ظاهرة الحزن الجديد والفرح الجديد. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>