العيد يقوم من جهة بدور العدسة المكبرة تتراءى ما بعدها من المرئيات كباراً غلاظاً باذخة الأطراف شامخة الهامات، ويقوم العيد من جهة أخرى بعقد مقارنات سريعة عاطفية بين المرء والمرء وبين المرء ونفسه، فمقارنة بين خائب ومصيب، وبالغ ومقصر، ومقل ومكثر، وغني وفقير، وجائع وشبعان، تنتهي بهذا الإحساس الذي نحن بصدده من الشعور
يصاب الإنسان بما يصاب به من لغوب هذه الحياة وعثائها، فإذا واتى العيد، وكانت النعمة التي لديه لا تزدهيه في سائر الأيام ازدهته في ذلك اليوم، لأنه ينظر إليها من خلال العيد فيراها كبيرة باذخة فيرتاح إليها ويبتهج، أما إذا كان بين العيد والمعيد حزن وألم، فإن هذا العيد لن يُرى صاحبه إلا ألماً كبيراً.
أما المفارقات، فأمرها أشد ووقعها أمض، مقارنات يعقدها العيد بين شخص وشخص، وبين شخص ونفسه، في زمنين مختلفين، هذان أليفان آض ما بينهما كلاماً في غير دقة، وسلاماً في غير رقة. وهذه قلوب كانت تحن، فأضحت تئن. وهذه مسكينة كانت في العيد السالف في كلاءة أبوين، فصارت في هذا العيد سطراً في كتاب اليتم. . . وهذه أم كان لها في العيد السابق فتى يملأ دنيا أحلامها بأشتات المنى فاحتسبته وأقامت تندب ذكراه. وهذا أب اغتالت المنية وحيده فتركته لا يقدر على شيء، وهذا فتى في ميعة الصبا كان وثيق التركيب جميل المظهر، ولكن العيد وجده في مخالب المرض ينفث نفسه وينتظر رمسه. وهذه أمة كانت بالأمس الدابر تملأ حيزاً وكاناً ينظر إليها الناس أُمة فأصبحت أَمَة. . . كل هذه مقارنات يأتي بها العيد بين شخص ونفسه في زمنين مختلفين تملؤها غصة وشكاة ودموعاً.
ولقد تكون المقارنة بين شخص وشخص، فينظر الطفل الفقير وقد عرف الفقر وعرفه طوال العام، ينظر إلى الثوب المتواضع الذي أنفقت فيه أمه جهد شهر في الخدمة. . . ويقارنه بالثوب المترف الفاخر الذي يرتديه غيره من الأطفال فيستشعر لأول مرة في العام خفقة الألم. وينظر الجائع وقد عرف الجوع وخبر بلواه إلى الشبعان الذي عرف التخمة وخبر بلواها، فيناله من مقارنة العيد ألم جوع وألم غضاضة، وينال الآخر لذة شبع ولذة مكاثرة!
وينظر اليتامى في الملجأ إلى هياكل أجسادهم ومعدهم، وقد كانت ثياب هذه الهياكل طول