الحول قطعاً من فضل المحسنين، وهذه المعد طول العام وعاء للخيرات. . . ولكن العيد يرسل إلى هؤلاء مقارنة بينهم وبين سواهم ممن رداؤهم قطعة واحدة من يد محسنة واحدة، فتأسى الأنفس وتذكر في سبيل المقارنة ما فاتها.
هكذا تتقد اللوعة، وهكذا تزداد الشكاة في العيد، وأولئك الغلف قلوبهم لا يعلمون أن في الناس من يذوق طعم الموت وهو حي. وهكذا يجد الواحد منا كيف تتعاقب الأيام بالسراء والضراء فيفيد من هذه وهذه أن الأمور لا تقيم على حال، وأن وراء الشدة رخاء، وبعد العناء عزاءً، وأن العبد إن أساء فقد يحسن، وأن الصبر أجدر من حلم ضائع ورشاد سليب وفؤاد هواء، ثم يجد الواحد فوق ذلك - وقد خبر النعمة والنقمة - كيف يسلف اليد المحسنة والمساعدة المسعفة، وينتزع من أحاسيس نفسه وخلجاتها ما يشغف به القلب الذي أضاع الشغاف، والفؤاد الذي برحت به النوب وتخارمته الأوصاب، وكل إحسان في العيد عيد في الإحسان، فالمصافحة والابتسامة والقبلة والدرهم وبطاقة العيد والهدية والزيارة والتفقد والتسآل وعيادة المريض والإشراف على موطن الألم من المتألم، وكفكفة دمعة الباكي ومسح رأس اليتيم كل أولئك كجرعة الماء في المهمه الفقر. . . وإن كانت ماء فهي لذى غلة به إليها تحنان، وله إليها تشوف ونزوع؛ وهي في مفهوم الصحراء المهلكة ذهب وفضة وخيل مسومة وأنعام وحرث. والقلوب بالغة ما بلغت من الاختلاف والتمايز لا يؤلف بينها ولا يجمع شتاتها ولا يجعل منها وحدة رصينة مثل رباط المشقة وصلة المشكلة، فلقد يصرف في سبيل توثيق صلة من صلات الود ما يصرف من وقت ومادة. ثم لا تتوثق هذه الصلة كما تتوثق أخرى لم يصرف فيها إلا تفقد وتسآل واشتراك في محنة. . وهذا العيد يتيح هذه الفرصة ويمكن لمن يريد أن يشتري قلوب الناس. أن يشتريها بأثمان بخسة لا يستطيع أن يحصل عليها في الظروف الاعتيادية، لا تفي هذه الفرصة إلا مرتين في العام توضع فيهما هذه القلوب البشرية الخفاقة بالمزاد العلني يشتريها من كان لديه المال الكافي من العطف والرعاية والحنان، وإنه في الحق لنصيب عظيم أن تشتري قلباً بابتسامة وقلباً بتفقد وقلباً بمصافحة وقلباً بهدية وقلباً بدمعة وقلباً بزيارة. . . وهذه القلوب مهما ضعفت ومهما كانت ذاوية نحيلة، ومهما كانت منذرة بالفناء فهي تدوم على الأقل خفاقة للعيد القادم يوم تعرض قلوب جديدة بآمال جديدة وآلام جديدة تبتغي شارياً جديداً