للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٤ - عمرو بن العاص]

بقلم حسين مؤنس

تتمة

وانتظمت جيوش معاوية واتخذت سبيلها إلى الشام لتثأر لعثمان الشهيد. . . ولم يعد في نفس أحد منهم شك في أن عليا هو قاتل عثمان. . . وأن حربه والانتقام منه فرض واجب على المسلم الصادق الأمين، ومضى معاوية وعمرو على حصانيهما يتحدثان في الطريق وإن معاوية ليحس خطر هذا الرجل الصامت إلى جانبه. . . إنه ليعجب من هذا العقل الكبير الذي لا يقصر عن غاية ولا يعجز عن أمر. . . وإنه ليخشاه ويرى سلطانه مهددا بوجوده. . . ولكنه يحتاج إليه ولا يكاد يستغني عنه في هذه الملحمة المقبلة. . . ولم يكن عمرو ليفكر في غير ذلك! ولكنه لم يكن منصرفا إليه هذا الانصراف كله. . . فهو يعرف حاجة معاوية إليه ولا يخشى منه أمرا. . . بل هو يفكر في أمر آخر، إنه ليفكر في علي وقوته. . . ويحسب حسابها ويسأل نفسه، ترى ماذا افعل لو أنتصر عليَّ علي وهو أمر معقول جدا. . . وإن عليا لفارس العرب وسيف الله البتار؛ وإنه لصاحب الأيام البيض الخوالد والغزوات الزهر الباقيات، وأن معه لنفراً من الفرسان الصناديد الذين يخشى منهم أي خشية. . . فيهم الأشتر النخمي وفيهم من أصحاب الرأي أبن عباس، وإن في هؤلاء لغناء ومنعة من الفشل. . . فما ترى أبن العاص فاعلا والأمر خطر والبلاء شديد؟

وانتهت الجيوش إلى ضفاف الفرات، واقتربت من طلائع علي وعسكرت في موضع سهل ومنعت الماء من علي. . . وباتت قوات علي عطشى حتى عيل صبرها فحملت على الشآميين فأجلتهم عن موضع الماء. . . وبات الشآميون عطشى فندبوا من يسأل عليا الماء فأجاب!. . . وتلك كانت علة الرجل التي انتهت به إلى الهزيمة في ذلك الميدان، فكيف يثبت الطيب للخبيث، والرقيق للقاسي، والأيمان للحيلة والدهاء! وزاد الأمر بلاء أن عمرا أدرك موضع الضعف من علي، وسنراه سباقا إلى الاستفادة من إيمان علي وشهامته. . . انظر إليه قبيل صفين. . . إنه يدور بعينيه في معسكر علي ليختار الدهاة والخبثاء ويتصل بهم ويشككهم في أمرهم. . . هذا الأشعث بن قيس يتفاهم مع عمرو، وهذا أبو موسى يبدأ يشك في حق علي. . . ثم تبدأ الدعاية القوية في جيش علي نفسه فتقعد همم الناس وتفتر

<<  <  ج:
ص:  >  >>