هذا النابغة الذي سأحدثك عنه كان ثاني النيرين وأحد الفرقدين في عصره اذ لم يكن لهما ثالث يجاريهما في حلبة القريض، أو يدانيهما في مضمار الأدب. ولقد خان الحظ شاعرنا في عصرنا هذا حتى أصبح نسيا منسيا لدى الجمهور ولو انه معروف بين الخاصة من الطبقة الراقية في الأدب. ولقد جنت عليه المطابع المصرية إذ لم تنشر ديوانه، وطبعته مطبعة الجوائب بالأستانة مع مجموعة كبيرة أصبحت نادرة جدا.
خدم الحظ البهاء زهير فطبع ديوانه في أوربا ومصر عدة طبعات بيع بعضها بقرشين حتى انتشر وحفظ منه الفقهاء والمنشدون والمغنون كثيرا وغنوه في الحفلات حتى شاع وملأ الأصقاع مع أنه لا يذكر بجانب شاعرنا المترجم به.
وكان ثاني النيرين العالم العلامة والشاعر المجيد الذي ضرب بسهم في مختلف العلوم والفنون الشيخ حسن العطار شيخ الجامع الأزهر. وقد ارتحل عن مصر وقت هجوم الفرنسيين عليها وتجول بين ربوع الشام واشقودره، ولما آب من رحلته مازج المترجم به وخالطه، ورافقه ووافقه، فكانا كثيرا ما يبيتان معا ويقطعان الليل بأحاديث أرق من نسيم السحر، وكثيرا ما كانا يتنادمان في دار صديقهما الحميم الوفي الشيخ الجبرتي ويطرحان التكلف ثم يتجاذبان أطراف الكلام فيجولان في كل فن جولة، وكانت تجري بينهما منادمات أرق من زهر الرياض، وافتك بالعقول من الحدق المراض، وهما حينئذ فريدا عصرهما، ووحيدا مصرهما لم يعززا بثالث في ذاك الوقت.
كان والد المترجم به نجارا ولما راجت صناعته فتح مخزنا لبيع الأخشاب بجانب تكية الكلشني بالقرب من باب زويلة، وأرسل ابنه إلى الكتاب لحفظ القرآن، ثم طمحت نفسه إلى طلب العلم فذهب إلى الأزهر ولازم حضورالسيد علي المقدسي وغيره من أفاضل الوقت فانجب في فقه الشافعية والمعقول بقدر الحاجة، وشغف بمطالعة الأدب والتاريخ والتصوف